بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله الله ولي الصالحين ، شهد أن سيدنا
محمداً عبده ورسوله ، حب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تمهيد :
في صحيح ابن حبان عن عطاء أن عائشة رضي الله عنها قالت: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلتي ، وقال:
(( يا عائشة ، ذريني أتعبد لربي عز وجل))
فقام إلى القربة فتوضأ منها ، ثم قام يصلي ،
فبكى حتى بل لحيته ، ثم سجد حتى بلّ الأرض ، ثم اضجع على جنبه ، حتى أتى
بلال يؤذنه بصلاة الصبح ، فقال : يا رسول الله ما يبكيك ، وقد غفر الله لك
ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! فقال عليه الصلاة والسلام :
(( ويحك يا بلال ! وما يمنعني أن أبكي ، وقد أنزل الله علي في هذه الليلة
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
، ويل لمن قرأها ، ولم يتفكر فيها ))
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(( أمرني ربي أن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ، ونظري عبرة ))
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى :
((من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ، ومن لم يكن سكوته تفكراً فهو سهو ، ومن لم يكن نظره عبرةً فهو لهو))
يقول الحق جل وعلا ، الذي خلق السموات والأرض بالحق:
﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾
والحق هو القرار ، والثبات ، والسمو ، والعلو ،
ونقيضه الباطل ، وهو الزوال ، والزهوق ، والتردي ، والعبث ، سنريهم
آياتنا في الآفاق ، فأين هي آيات الله في الآفاق ؟.
آيات الله في الآفاق :
ورد أن عدد النجوم في السماء بعدد ما في الأرض
من مدر وحجر ، أي بعدد ذرات التراب والحجارة ، فعلماء الفلك في الماضي
كانوا يعدّون النجوم بالألوف ، وبعد أن ارتقت كفاءة مراصدهم صاروا يعدونها
بالملايين ، ثم وصلوا إلى المليارات ، أي ألوف الملايين ، أما اليوم فإنهم
يقدرون عدد النجوم في مجرتنا درب التبانة ، من خلال المراصد العملاقة
بثلاثين ملياراً ، علماً أنّ مجرتنا مجرة متوسطة في حجمها ، وهي واحدة من
مئات ألوف الملايين من المجرات ، التي لا يعلم عددها إلا الله ، لقد صدق
الله العظيم إذ يقول :
﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾
حجوم الكواكب :
هذا عن عدد النجوم ، فماذا عن حجومها ؟!
إذا علمنا أن حجم الأرض يساوي مليون مليون
كيلومتر مكعب ، وأن الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، وأن
المسافة بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلومتر ، وأن نجماً من النجوم في
برج العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما ، وأن نجماً اسمه منكب
الجوزاء يزيد حجمه على حجم الشمس بمئة مليون مرة ، لقد صدق الله العظيم إذ
يقول :
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾
المسافات فيما بينها:
هذا عن أعدادها وأحجامها ، فماذا عن المسافات بينها ؟.إن ما بينها من مسافات تقدر بالسنين الضوئية ، فالضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة آلاف كيلومتر ، إذاً فهو يقطع في السنة عشرة آلاف مليار من الكيلومترات ، وكيف بنا إذا علمنا أن القمر يبعد عنا ثانية ضوئية واحدة ونيفاً ،وأن الشمس تبعد عنا ثماني دقائق ضوئية ، وأن المجموعة الشمسية لا يزيد قطرها على ثلاث عشرة ساعة ضوئية ، وأن أقرب نجم ملتهب إلى الأرض يبعد عنا أربع سنوات ضوئية ؟! ولكي نعلم ماذا تعني أربع سنوات ضوئية نقول : لو اتجهنا إلى هذا النجم بمركية تساوي سرعة مركبة القمر لاستغرقت الرحلة أكثر من مئة ألف عام ، ولو ساوت سرعة هذه المركبة سرعة السيارة لاستغرقت الرحلة هذه قريباً من خمسين مليون عام !! هذا ما تعنيه أربع سنوات ضوئية!!.
فما القول في سديم المرأة المسلسلة ، التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ؟ بل ما القول في مجرة اكتشفت حديثاً تبعد عنا عشرين ألف مليون من السنوات الضوئية ؟ لقد صدق الله العظيم إذ يقول :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
هذا ولم نتحدث عن حركات النجوم ، وسرعتها
العالية ، ولا عن مداراتها الواسعة ، ولا عن شدتها ، ولا قوة إضاءتها ، ولا
عن قوى التجاذب التي تربطها ، ولا عن توازنها الحركي ، وعلى كل فالعجز عن
الإدراك إدراك ، قال تعالى :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ
جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
والحمد لله رب العالمين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire