طرق الشيطان الرجيم في إضلال العبيد :
يشكل
عالم الشياطين العدو الخفي والأشد ضراوة على بني آدم، فهو لا يفتأ يفسد
أخلاق بني آدم وعقائدهم، ويورث بينهم العداوة والبغضاء، لذلك فلا غرو أن
تتواتر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في بيان خطر هذا العدو، وسبل
إضلاله وإفساده، حتى يحذره الناس، ويكونوا في مأمن من مكره وشره .
وقد
بسط الله سبحانه القول في الشيطان في آيات كثيرة، وأوضح طرائق إضلاله
وإغوائه في بيان جلي أقام به الحجة على الخلق، وأزال به كل عذر لمعتذر.
فمن تلك الآيات قوله تعالى:{ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }(فاطر:
6) وهذا إعلان صريح بعداوة الشيطان لبني آدم عداوة لا هوادة فيها ولا
مجاملة، وأن على العباد أن يقابلوا هذه العداوة بمثلها، { فاتخذوه عدوا } .
ولم يكتف بهذا الإعلان وإنما أتبعه بآيات كثيرة تبين سبل إغواء الشيطان وإضلاله للعباد، فقال سبحانه: { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر }(
النور:21) ففي هذه الآية بيان للطريقة التي يتعامل بها الشيطان مع ضحاياه،
فهو لا يهجم عليهم دفعة واحدة ليخرجهم من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة
إلى المعصية، بل يتدرج للوصول إلى هدفه، وينظر نقاط الضعف في الشخص، ويحاول
أن يلج من خلالها، فإن وجد فيه قوة في دينه أتاه من جانب المباحات، وحرّضه
على الإكثار منها ليضيّع عليه بعض المستحبات، ثم لا يزال به حتى يتهاون
بالسنن، وهكذا حتى يتهاون في الواجبات .
ولا يكتفي الشيطان بإضلال العباد فحسب بل يتبع إضلاله تزينناً لباطله،
فلا يدع ضحاياه فريسة لتأنيب الضمير، وأسرى لتقريع المواعظ، وإنما يحاول أن
يبقيهم في سلام داخلي مع أنفسهم بأن يزين لهم أعمالهم، فلا يشعروا بأي
نفور عنها، أو أنها مخالفة للفطر والعقول، قال تعالى: { وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون }ْ(الأنعام:43) وقال أيضا: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم }(الأنفال:48)
ويأتي هذا التزيين على شكل مبررات يسوقها الشيطان لضحاياه لتبرير أفعالهم؛
فالذي يزني ويأتي الفواحش يزين له أنه يمارس حريته الشخصية، والذي يسرق
ويختلس يزين له أنه يستعين بذلك على تكاليف الحياة، والذي يمارس
الدكتاتورية والقهر يزين له أنه يحافظ على وحدة الشعب وتماسكه من الدعوات
الطائفية والعرقية، وهكذا دواليك .
نماذج من كيد الشيطان ومكره :
أولاً: تغيير خلق الله: قال تعالى: { ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } حيث لم يقتصر سعيه على الفساد بمخالفة الله في شرعه، ولكن تعدى ذلك إلى مخالفة الله في خلقه .
ثانياً: الصد عن ذكر الله: قال تعالى: { ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة }(الأنعام:
68) وهذا من أعظم مقاصد الشيطان أن يضرب الغفلة على قلوب العباد حتى يسهل
السيطرة عليها بعد ذلك، فإن ذكر الله أعظم طارد للشيطان، وقد وصف اللهُ
الشيطانَ بوصفين متقابلين هما { الوسواس الخناس }
فالوسواس من الوسوسة وهي حديث النفس الذي يلقيه إبليس على بني آدم،
والخناس كثير الخنس وهو الاختفاء؛ وذلك أن العبد إذا ذكر ربه خنس الشيطان
هرب، قال مجاهد : إذا ذُكِر الله خنس وانقبض، وإذا لم يذكر انبسط على القلب .
ثالثاً:
إضلال العلماء : وهذا من أعظم ما يحرص الشيطان عليه؛ لأن إضلال العالِم
إضلال لأتباعه، وقد ذكر الله خبر عالم آثر هواه على طاعة مولاه فتمكن
الشيطان منه واستولى عليه فكان من زمرة جنده، وكان مصدر إضلال وإغواء
للعباد بعد أن كان مصدر هداية وإرشاد لهم . قال تعالى: { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين }(الأعراف:175)
فينبغي للعالم أن يكون أشد حذرا من شراك إبليس ومكائده، وليعلم أن علمه لن
يجعله بمنأى عن كيد إبليس ومكره والله العاصم بحوله وقوته .
رابعاً: نزغ الشيطان : قال تعالى: { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم }
(الأعراف:200) شبه سبحانه حدوث الوسوسة الشيطانية في النفس الإنسانية بنزغ
الإبرة ووخزها لخفائها وخفاء أثرها، وهو تشبيه بليغ إذ أن الإنسان لا يشعر
بوسوسة إبليس، وربما كان من الغفلة بمكان بحيث لا يشعر بأثر تلك الوسوسة،
فنبه سبحانه العباد على سبيل دفع وسوسة إبليس ودفع أثرها؛ وذلك بالالتجاء
إليه والاستعاذة به من الشيطان وكيده، فهو القادر سبحانه على إذهاب أثر تلك
الوسوسة وإزالة ضررها .
هذه بعض سبل الشيطان في إضلال العباد وإفسادهم والحيلولة دون عبادتهم
لربهم، ومع هذا البيان الواضح والتحذير الجلي إلا أن أكثر الخلق أتباع له،
والسبب أن طريق الله محفوف بالمكاره، وطريق الشيطان محفوف بالشهوات،
والنفوس تقبل على الشهوات العاجلة – وإن كانت عاقبتها الألم والحسرة - أكثر
من إقبالها على المكاره - وإن كانت عاقبتها الجنة - ، قال تعالى: { بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى }( الأعلى: 16- 17) وقال صلى الله عليه وسلم: ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) رواه مسلم
فينبغي على المسلم الحريص أن يستعيذ بالله من شر الشيطان وشركه، وأن يكون
على بصيرة من وجوه مكره وحيله حتى يستطيع أن ينجو منها، وأن يسمو بنفسه عن
شهواتها فالشهوات بريد المعاصي والسيئات .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire