التفسير المختصر - سورة الشرح (94) - الآية (1-1)
أيها الإخوة الكرام، في سورة الشرح، يقول الله تعالى:
فأنا لسْتُ مُتَشائِمًا ولكن أؤكِّد لكم حسب القرآن الكريم أنَّهُ لا يُمْكن أن نصل إلى هذه الجنَّة التي وعدنا الله بها، من دون أن تدْفع الثَّمَن، وثَمَنُها أن تنْجحَ في الامْتِحان، هل يوجد في الأرض مَن يقول لك: أنا دُكتور ولم يَمْتَحِن ؟! يُؤَلِّف أطْروحة بِخَمْس سنوات يُحاسِبونه على الفاصلة والحركة، ويُعيدوه الكتابة والفصْل، والدكتور لم يُعْجِبْهُ، والمُشْرِف ما راق له هذا الفصل، ومراجعك قليلة، وأَعِد البَحْث فهذه مرتبة في الدنيا وقد لا تعني شيئًا الآن، فكَيف مرتبة الجنَّة ؟! فلقد كان النبي عليه الصلاة والسلام مُتضَايِق جدًا، ولكن ما بعد الضِّيق إلا الفَرَج، وما بعد الشِدَّة إلا الرَّخاء، وما بعد الامْتِحان الصَّعْب إلا العطاء، دقِّق ! أصْعَب امْتِحان مرَّ به النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف ؛ كُذِّب وسُخِر منه، ونالوهُ بالأذى، وبعد الطائف الإسراء والمعْراج، وأنَّهُ سيِّدُ الأنبياء والمرسلين، ولا يوجد مِحْنة إلا ووراءَها مِنْحة، ولا يوجد شِدَّة إلا ووراءها شَدَّة إلى الله، فهذا مِن بشائر الله عز وجل.
قال تعالى:
أحد الإخوة تَوَكَّل بِعَمار مَسْجِد، فلا بدّ مِن أن يُقابل بعض المَسْؤولين وقد تكون منهم شِدَّة فهو قال لي: الجنَّة لها ثَمَن ومرْحَبًا بِثَمَن الجنَّة.
النُّقطة الدقيقة قوله تعالى:
ثمَّ قال تعالى:
ثمَّ قال تعالى:
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا
ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً
وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن
يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.أيها الإخوة الكرام، في سورة الشرح، يقول الله تعالى:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ
وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)﴾
أوَّل نقطة في هذه السورة أنَّ الله سبحانه
وتعالى شاء للإنسان أن يمرّ في طريقه إلى الله بِمَضائِق، وهذه الأخيرة
مرَّ بها النبي عليه الصلاة والسلام بِشَكل حادّ، وكل مؤمن لا بدّ أن يمرّ
بِمَضائق على حسب إيمانه وبما يستطيع، أما أن يصل إلى الجنَّة التي عرضها
السماوات والأرض إلى أبد الآبدين، وبلا ثمَن، فهذا من سابع المستحيلات، هذا
العَطاء الكبير لا بد له من مضائق، أحْيانًا مضائق مالِيَّة، ماذا تفعل ؟
قد نمْتحن سيارة بِطَريق هابطة ؛ ممتازة ولك أن تطفئ المُحَرِّك، ولكن كيف
تُمْتَحن المركبة ؟ بالطريق الصاعدة، فإذا مرّ الإنسان بامتِحان الرَّخاء،
يقول لك: فضل من الله فهو نجَحَ بامْتِحان الرَّخاء، ولا بدّ من امْتِحان
الشدَّة ! قد تكون المضائق مالِيَة فهل يأكل المال الحرام ؟ هل يضْجَر ؟ هل
يتفلَّت ؟ وقد يمرّ بِمَضايِق اجْتِماعِيَّة ؛ هناك أُناس يُحارِبونه
ظُلمًا وعُدْوانًا، هل يرى يد الله فوق أيديهم ؟ أم ينسى أنَّ هؤلاء
مُسَيَّرون ؟ هل يُوَحِّد أم يَحْقِد أو يستسلِم ؟ وهناك مضائق صِحِيَّة،
وهناك مضائق في الدَّعوة فهؤلاء الدعاة لهم حِساب خاص، يَمُرُّون بِمَضائق،
فإن لم يصبروا يقول الله عز وجل: اُخْرج من هذا الطريق فلَسْت أهلاً له،
لذا لا تتصَوَّر أن تدخل الجنَّة دون امْتِحان، وأقول امْتِحان صعب، ولسْتُ
بهذا مُتشائِمًا لكنَّ ربنَّا سبحانه وتعالى قال:
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ
الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ
اللَّهِ قَرِيبٌ(214)﴾
وقال تعالى:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ(92)﴾
أعرف رجل، أخوه حطَّم له سيارتهُ مِن شِدَّة
غِناه لم يسْتطع أن يراها، وقال لهم: بيعوها ! دخل عند مُوَظَّف فأهانهُ،
حينها دخل مُباشَرَةً عند طبيب قلب مباشرةً، فهذا امتِحان المال سهْل عنده
أما امْتِحان العزّ والكرامة لم يستطع له.فأنا لسْتُ مُتَشائِمًا ولكن أؤكِّد لكم حسب القرآن الكريم أنَّهُ لا يُمْكن أن نصل إلى هذه الجنَّة التي وعدنا الله بها، من دون أن تدْفع الثَّمَن، وثَمَنُها أن تنْجحَ في الامْتِحان، هل يوجد في الأرض مَن يقول لك: أنا دُكتور ولم يَمْتَحِن ؟! يُؤَلِّف أطْروحة بِخَمْس سنوات يُحاسِبونه على الفاصلة والحركة، ويُعيدوه الكتابة والفصْل، والدكتور لم يُعْجِبْهُ، والمُشْرِف ما راق له هذا الفصل، ومراجعك قليلة، وأَعِد البَحْث فهذه مرتبة في الدنيا وقد لا تعني شيئًا الآن، فكَيف مرتبة الجنَّة ؟! فلقد كان النبي عليه الصلاة والسلام مُتضَايِق جدًا، ولكن ما بعد الضِّيق إلا الفَرَج، وما بعد الشِدَّة إلا الرَّخاء، وما بعد الامْتِحان الصَّعْب إلا العطاء، دقِّق ! أصْعَب امْتِحان مرَّ به النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف ؛ كُذِّب وسُخِر منه، ونالوهُ بالأذى، وبعد الطائف الإسراء والمعْراج، وأنَّهُ سيِّدُ الأنبياء والمرسلين، ولا يوجد مِحْنة إلا ووراءَها مِنْحة، ولا يوجد شِدَّة إلا ووراءها شَدَّة إلى الله، فهذا مِن بشائر الله عز وجل.
قال تعالى:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)﴾
هذا الحِمْل الثَّقيل قال تعالى:
﴿ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
ولا يوجد إنسان يعْمل في الحق إلا ويرْفع الله
له ذِكْرَهُ، والإنسان إذا كان مع الله له مكانة خاصَّة، وله قُدْسِيَّة
خاصَّة، ومُعامَلَة خاصَّة والله عز وجل يُلْبِسُهُ ثَوْب الهَيْبَة،
مُهاب لأنَّه هاب الله فهابَهُ كُلّ شيء ومَن لم يَهَب الله أهابَهُ الله
مِن كلّ شيء، تجدهُ يخاف من الآذِن الذي عندهُ وتجِدُهُ مُدير عام، ومن لم
يتَّقِ الله أهابَهُ الله تعالى مِن كلّ شيء لذلك هذه السورة تشْرح
الصَّدْر، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)﴾
قد تقول هي للنَّبي، وبالمُقابل لِكُل إنسان مؤمن صادِق مع الله عز وجل، وقد تسألني عن الدليل، قال تعالى:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(87)﴾
قيسوا على هذه الآية ؛ عندك هُموم البنات
والأولاد والمَعاش والصحَّة فالله يُمرِّرُك من مضائق، لذا وطِّن نفْسَك
فلا بدّ من أن تمرّ بِمَضائق وبُطولتُكَ أن تقول: يا رب، لك الحمد ! وأنا
راضي
هم الأحِبَّة إن جاروا وإن عدلوا فليس لي عنهم مَعْدِل وإن عَدَلوا
والله وإن فتَّتوا في حُبِّهم كبدي باق على حبِّهم راضٍ لما فعلوا
إنسان معه مرض خبيث بالأمعاء، والآلام لا
تُحْتَمَل، أَقْسَمَ لي طبيبُهُ الخاص، ما زارَهُ إنسان إلى المُستشفى إلا
ويقول له: اِشْهَد أنَّني راضٍ عن الله، ويا رب لك الحمد، ومات بِأحْلى
حالة، فاله عز وجل يسوق لك امْتِحان مرض والفقْر والشدَّة والهمّ والحزَن،
ولكن اِجْعَل شِعارك: إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أُبالي، ولك العتبة حتى
ترضى ولكن عافيتُكَ أوْسَعُ لي، قال تعالى: والله وإن فتَّتوا في حُبِّهم كبدي باق على حبِّهم راضٍ لما فعلوا
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ
وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)﴾
أحيانًا يكون إنسان مسْحوقٌ بالهَمّ، ابْتِلاء،
والحديث: مَن قصَّر بالعَمَل ابْتَلاهُ الله بالهَمّ، فهناك هُموم تَسْحق،
وقد يأتي الهمّ فيَسْحَق ثمّ يُزاح عنه، حينها يتنفَّس الصُّعَداء،
سيَهْديهم ويُصْلِحُ بالهم، فالمؤمن الذي يطْلب الجنّة، أما الذي لا
يطْلبها انتَهَت المشكلة، قال تعالى:
﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38)﴾
فإذا الإنسان بلا هَدَف فلا مُشْكِلة لأنَّهُ هو
أصْلاً مُشْكِلة، أما إذا كنتَ تطلب الجنَّة ومَقْعَد صِدْق عند مليك
مقتَدِر، وأن تكون في أعلى عِلِيِّين عليك أن تَتَحَمَّل.أحد الإخوة تَوَكَّل بِعَمار مَسْجِد، فلا بدّ مِن أن يُقابل بعض المَسْؤولين وقد تكون منهم شِدَّة فهو قال لي: الجنَّة لها ثَمَن ومرْحَبًا بِثَمَن الجنَّة.
النُّقطة الدقيقة قوله تعالى:
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
هذه لِكُلّ مؤمن له منها نَصيب، والله تعالى
يرْفع لك ذِكْرَك وشأنَك وثَوْب مهابة ومحبَّة ويتدافَعون لِخِدْمَتِك،
وأحيانًا الإنسان يُهان، والله عز وجل له عذاب مُهين، رأيْتُ مرَّة ضابطًا
يضرب إنسانًا مُحْتَرَمًا بِكَفّ ! عذاب وأحيانًا عَدُوُّك يَخْدُمك، وكل
واحِدٍ منَّا له من هذه الآية نصيب، خَف منه يُخَوِّف منك الناس، وأحِبَّه
يُلقي محبَّتَك في قُلوب الناس، وهَبْهُ يَجْعَلُكَ مُهابًا عند الناس،
وكما تَدين تُدان، وكما تُعامِل الله تُعامَل، كُن لي كما أريد أكن لك كما
تريد، إن ذَكَرْتَني في نفْسِك ذَكَرْتُكَ في ملإٍ من ملائكتي وخير منه،
ويُطْرَحُ اسمُكَ بأعلى مُجْتَمَع ويُثْنى عليك لأنَّ تذكُر الله بين
خلْقِهِ، وهذا هو معنى قوله تعالى:
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
كان هناك قصَّابًا، فقال لي: أنا والشيخ أبو
الحَسَن سواء، فقلْتُ له: ما بال الثرى من الثريا ! مهما كانت الصِّنْعَة،
المُهِمّ ما حالهُ الآن ؟ مؤمن تقي، وعالم ورع، فالمؤمن حتى في أفراد
الأُسْرَة مُحْتَرَم وفي الأقارب.ثمَّ قال تعالى:
﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5)﴾
هي إنَّ بعد العُسر يُسْرًا، يأتي عُسْر ويجيء
بعده يُسْر، لكنَّ الله تعالى من رحْمته ولكي يُطمْئِنَكَ قال لك مع العسر
يوجد عُسْر ! فهذا الذي يُزْعِجُكَ يُرافِقُهُ اليُسْر، وهناك قاعدة
لُغَوِيَّة تعْرِفونها، وهي أنَّ الكلمة إن كانت نكِرة وتكرَّرَتْ فالمعنى
يتكَرَّر، أما إذا المعرفة فالمعنى نفسُهُ، ولن يغلب عُسر يُسْرَين،
فالعُسر هنا معرفة، وكلمة يُسر نكرة، قال العلماء: يُسْر في الدنيا وآخر في
الآخرة، فمهما تنوَّع العُسر فدائِمًا اليُسر مُضاعَف.ثمَّ قال تعالى:
﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)﴾
أنا عندي جرد الآن ! طيِّب ألم ينتهي هذا
الجَرْد الآن ؟! وأنا عندي فحْص، لَمْ نرَك بالدَّرْس والصلوات، وأنا عندي
مُشْكلة ؛ ابني سيَعْمَل عَمَلِيَّة، وقد ورد: هلك المُسَوِّفون، فإذا
شَغَلَك شيء وانتهى لم يعد هناك عُذْر فكأنَّ الله عز وجل يقْبلُ عذْرك،
قال الإمام علي كرَّم الله وجْههُ: إنّ للنَّفْس إقْدامًا وإدْبارًا، فإذا
أدْبَرَتْ فاحْمِلوها على الفرائض وإذا أقْبَلَت فاحْمِلوها على
النَّوافل، فالواحد إذا انتَهت مُشْكلتُه فلا عُذْر له، لذا كما قال تعالى:
﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)﴾
والحمد لله رب العالمين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire