بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ،
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما
ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا
اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول
فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الحكمة من الابتداء بتفسير الأجزاء العشرة الأخيرة :
بسم الله الرحمن الرحيم ..سورة يونس ،
ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يُمِدَّنا من فضله كي ننهي تفسير كتاب الله
كلِّه .بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ{1} أَكَانَ
لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ
النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ
رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ{2} إِنَّ
رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن
شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ
فَاعْبُدُوهُ ﴾
﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾
﴿ الَر ﴾
الَر
1 ـ معنى الحروف المقطعة :
هذه الحروف وأمثالها ..
﴿ الَم ﴾
﴿ الَمرَ ﴾
﴿ كَهَيَعَصَ ﴾
﴿ حَم ﴾
﴿ ق ﴾
هذه الحروف سمَّاها بعض المفسِّرين " فواتح
السوَر " ، وقال بعضهم الآخر : " الله أعلم بمراده " ، وقد روي عن ابن
عبَّاسٍ رضي الله عنه أنه قال في تفسير هذه الحروف : " إنها أوائل أسماء
الله الحُسنى " ، وقد روي عنه رضي الله عنه تفسير هذه الحروف الثلاثة :
﴿ الَرَ ﴾
أي أنا الله أرى ، وقال بعض المفسِّرين : " إنها أوائل أسماء رسول الله ، فألف أحمد ، واللام لطيف ، والراء رحيم " . والذي يرجِّح هذا الرأي الأخير أنَّ كل سورةٍ على الإطلاق بدأت بهذه الحروف يعقبها مباشرةً كاف الخطاب ..
﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ(1)أَكَانَ
لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ
النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ
رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ﴾
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ
1 ـ من عجبِ الناس إرسال رسول من البشر :
أي أن الناس يعجبون إذا أرسل الله سبحانه
وتعالى رسولاً !! ألا يعرفون قيمة أنفسهم أن الله يحبَّهم وخلقهم ليسعدهم ؟
ألا يعرفون أنهم خُلقوا لهدفٍ عظيم ؟ الذين يعجبون أن يُرسل الله سبحانه
وتعالى رسولاً لا يعرفون قدر الإنسان .
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾
الذين يعجبون أن يُرْسِلَ الله سبحانه وتعالى رسولاً لا يعرفون قدر النبي عليه الصلاة والسلام .
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا ﴾
أي أتعجب أن يوجِّه الأبُ الذي ينطوي قلبه على
محبَّةٍ لابنه نصيحةً لابنه ؟! أتعجب أن تخاف الأمُ على مصير ابنها ؟!
طبيعتها هكذا ، أتعجب أن تحرص الأم على نجاح ابنها ؟! أي أن الله سبحانه
وتعالى خلق الخلق وتركهم هكذا ؟ أهكذا ظنُّكم ؟ أتعجبون أنْ أَكَرم اللهُ
بني البشر برسولٍ منهم يبيّن لهم ما يفعلونه ، فهذه الآية دقيقة جداً ، فمن
يعجبْ كيف يرسل الله سبحانه وتعالى رسولاً فهذا ينكر رحمته ، ينكر حكمته
من خلقه ، ينكر الآخرة ، فلذلك :
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى
رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ
لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا
لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ﴾
نقف عند كلٍ كلمة :
﴿ رَجُلٍ مِنْهُمْ ﴾
الأنبياء والرسل يُرسَلون من أقوامهم وليسوا غرباء :
لو لم يكن منهم فهذا معنى ثانٍ ، فلو جاء من
مصر إلى مكَّة ودعاهم ، إنهم يخافونه ، ويخشونه ، ويتوجَّسون منه مثلاً ،
لأنه من قطر آخر ، لا ، بل إنه جاء منهم ، من بينهم ، من جماعتهم ، يعرفون
نسبه ، وصدقه ، وعفافه ، وأمانته ..
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ﴾
كما لو أنَّ جامعة أُنْشِأت وكلَّفت ألوف
الملايين ؛ من قاعات المحاضرات ، إلى مختبرات ، إلى حدائق ، إلى مكتبات ،
إلى بيوت للطلبة ، فهل من العجب أن تسخِّر هذه الجامعة مرشداً اجتماعياً
لكل طالب ، أو لكل خمسة طلاب ؟ وهذا ما تفعله
الجامعات ، هذا الطالب في الجامعات الراقية لا يستطيع أن يقطع أمراً في شأن
اختصاصه إلا بعد موافقة هذا البروفسور ، لماذا ؟ لأن الجامعة في أعلى
مستوى ، وهدفها تخريج الطلاَّب بأعلى مستوى ، فربنا عزَّ وجل خلق هذا الكون
؛ خلق المجرَّات ، ألف مَليون مليون مجرَّة ، وفي المجرَّة مَليون مليون
نجم ، خلق الشمس والقمر ، والأرض والسماء ، والبحار والجبال ، ويترك هذا
الإنسان هملاً بلا توجيه ، بلا إرشاد ، بلا تبيين ، بلا تعريف ، بلا هدى ،
بلا منهج ، بلا كتاب ، تركه هكذا ضائعاً ؟ هذا مما يعني كلمة :
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا ﴾
لابدَّ من أن يكون هناك أنبياء ، لأن الله
رحيم ، بسبب رحمته وحكمته ، ولأنه خلقنا ليسعدنا فلابدَّ من أن يبعث لنا
أنبياء ، ورسلاً ، وكتباً ، ومناهج ، ودعاة ..
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ ﴾
أي أن الذي ينكر بعثة النبي عليه الصلاة
والسلام يُنْكِرُ رحمة الله سبحانه وتعالى ، ينكر حكمته ، ينكر قيمة النبي ،
ينكر قيمة نفسه ، أنت غالٍ على الله كثيراً ، ولأنك غالٍ على الله عزَّ
وجل أرسل لك رسلاً ، وبعث إليك قرآناً ، وبعث لك أناساً متفرِّغين للدعوة
إلى الله ..
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ ﴾
علم فيك الخير فأسمعك ، تعجب تقول :
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ ﴾
فهذا الذي يستقيم على أمر الله ، ويخلص لله ،
ويغضُّ بصره ، ويحرر دخله ، وتسعه السنَّة ، ولا تسعه البدعة ، يرفضها ،
هذا له عند الله قدم صدقٍ ، وكما قيل : " الزُهَّاد والورعون جلساء الله
يوم القيامة " .
قدم صدق أي حصَّلوها بسبقهم ، ولهم عند الله مكانةٌ ثابتة بسبب صدقهم مع الله سبحانه وتعالى ..
قدم صدق أي حصَّلوها بسبقهم ، ولهم عند الله مكانةٌ ثابتة بسبب صدقهم مع الله سبحانه وتعالى ..
﴿ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ﴾
والحمد لله رب العالمين
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire