samedi 1 février 2014

تفسير سورة يونس تفسير الآيتان 1 – 2

بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الحكمة من الابتداء بتفسير الأجزاء العشرة الأخيرة :
 بسم الله الرحمن الرحيم ..سورة يونس ، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يُمِدَّنا من فضله كي ننهي تفسير كتاب الله كلِّه .

 بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ{1} أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ{2} إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ﴾
﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾
﴿ الَر ﴾
الَر
1 ـ معنى الحروف المقطعة :
 هذه الحروف وأمثالها ..
﴿ الَم ﴾
( سورة البقرة )
﴿ الَمرَ ﴾
( سورة الرعد : الآية 1 )
﴿ كَهَيَعَصَ ﴾
( سورة مريم )
﴿ حَم ﴾
( سورة الأحقاف )
﴿ ق ﴾
( سورة ق : آية " 1 " )
 هذه الحروف سمَّاها بعض المفسِّرين " فواتح السوَر " ، وقال بعضهم الآخر : " الله أعلم بمراده " ، وقد روي عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه أنه قال في تفسير هذه الحروف : " إنها أوائل أسماء الله الحُسنى " ، وقد روي عنه رضي الله عنه تفسير هذه الحروف الثلاثة :
﴿ الَرَ ﴾
 أي أنا الله أرى ، وقال بعض المفسِّرين : " إنها أوائل أسماء رسول الله ، فألف أحمد ، واللام لطيف ، والراء رحيم " .
 والذي يرجِّح هذا الرأي الأخير أنَّ كل سورةٍ على الإطلاق بدأت بهذه الحروف يعقبها مباشرةً كاف الخطاب ..

﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ(1)أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ﴾
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ
1 ـ من عجبِ الناس إرسال رسول من البشر :
 أي أن الناس يعجبون إذا أرسل الله سبحانه وتعالى رسولاً !! ألا يعرفون قيمة أنفسهم أن الله يحبَّهم وخلقهم ليسعدهم ؟ ألا يعرفون أنهم خُلقوا لهدفٍ عظيم ؟ الذين يعجبون أن يُرسل الله سبحانه وتعالى رسولاً لا يعرفون قدر الإنسان .
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾
( سورة الإسراء : من الآية 70 )
 الذين يعجبون أن يُرْسِلَ الله سبحانه وتعالى رسولاً لا يعرفون قدر النبي عليه الصلاة والسلام .
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا ﴾
 أي أتعجب أن يوجِّه الأبُ الذي ينطوي قلبه على محبَّةٍ لابنه نصيحةً لابنه ؟! أتعجب أن تخاف الأمُ على مصير ابنها ؟! طبيعتها هكذا ، أتعجب أن تحرص الأم على نجاح ابنها ؟! أي أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وتركهم هكذا ؟ أهكذا ظنُّكم ؟ أتعجبون أنْ أَكَرم اللهُ بني البشر برسولٍ منهم يبيّن لهم ما يفعلونه ، فهذه الآية دقيقة جداً ، فمن يعجبْ كيف يرسل الله سبحانه وتعالى رسولاً فهذا ينكر رحمته ، ينكر حكمته من خلقه ، ينكر الآخرة ، فلذلك :
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ﴾
 نقف عند كلٍ كلمة :
﴿ رَجُلٍ مِنْهُمْ ﴾
الأنبياء والرسل يُرسَلون من أقوامهم وليسوا غرباء :
 لو لم يكن منهم فهذا معنى ثانٍ ، فلو جاء من مصر إلى مكَّة ودعاهم ، إنهم يخافونه ، ويخشونه ، ويتوجَّسون منه مثلاً ، لأنه من قطر آخر ، لا ، بل إنه جاء منهم ، من بينهم ، من جماعتهم ، يعرفون نسبه ، وصدقه ، وعفافه ، وأمانته ..
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ﴾
 كما لو أنَّ جامعة أُنْشِأت وكلَّفت ألوف الملايين ؛ من قاعات المحاضرات ، إلى مختبرات ، إلى حدائق ، إلى مكتبات ، إلى بيوت للطلبة ، فهل من العجب أن تسخِّر هذه الجامعة مرشداً اجتماعياً لكل طالب ، أو لكل خمسة طلاب ؟  وهذا ما تفعله الجامعات ، هذا الطالب في الجامعات الراقية لا يستطيع أن يقطع أمراً في شأن اختصاصه إلا بعد موافقة هذا البروفسور ، لماذا ؟ لأن الجامعة في أعلى مستوى ، وهدفها تخريج الطلاَّب بأعلى مستوى ، فربنا عزَّ وجل خلق هذا الكون ؛ خلق المجرَّات ، ألف مَليون مليون مجرَّة ، وفي المجرَّة مَليون مليون نجم ، خلق الشمس والقمر ، والأرض والسماء ، والبحار والجبال ، ويترك هذا الإنسان هملاً بلا توجيه ، بلا إرشاد ، بلا تبيين ، بلا تعريف ، بلا هدى ، بلا منهج ، بلا كتاب ، تركه هكذا ضائعاً ؟ هذا مما يعني كلمة :
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا ﴾
 لابدَّ من أن يكون هناك أنبياء ، لأن الله رحيم ، بسبب رحمته وحكمته ، ولأنه خلقنا ليسعدنا فلابدَّ من أن يبعث لنا أنبياء ، ورسلاً ، وكتباً ، ومناهج ، ودعاة ..
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ ﴾
 أي أن الذي ينكر بعثة النبي عليه الصلاة والسلام يُنْكِرُ رحمة الله سبحانه وتعالى ، ينكر حكمته ، ينكر قيمة النبي ، ينكر قيمة نفسه ، أنت غالٍ على الله كثيراً ، ولأنك غالٍ على الله عزَّ وجل أرسل لك رسلاً ، وبعث إليك قرآناً ، وبعث لك أناساً متفرِّغين للدعوة إلى الله ..
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ ﴾
( سورة الأنفال : من الآية 23)
 علم فيك الخير فأسمعك ، تعجب تقول :
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ ﴾
 فهذا الذي يستقيم على أمر الله ، ويخلص لله ، ويغضُّ بصره ، ويحرر دخله ، وتسعه السنَّة ، ولا تسعه البدعة ، يرفضها ، هذا له عند الله قدم صدقٍ ، وكما قيل : " الزُهَّاد والورعون جلساء الله يوم القيامة " .
 قدم صدق أي حصَّلوها بسبقهم ، ولهم عند الله مكانةٌ ثابتة بسبب صدقهم مع الله سبحانه وتعالى ..
﴿ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ﴾
والحمد لله رب العالمين 
 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي




Aucun commentaire: