mercredi 26 février 2014

-من اسماء الله الحسنى : اسم الله مؤتي الحكمة .

-من اسماء الله الحسنى  اسم الله مؤتي الحكمة .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللّهم لا علم لنا إلاّ ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم، اللّهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصّالحين.
 

 أيّها الإخوة الكرام ؛ مع درسٍ جديد من دروس أسماء الله الحسنى ومع الدرس المُتِمِّ للمائة والاسم اليوم: مُؤْتي الحِكمة.
 

 أوَّلُ شيءٍ في هذا الاسم إنَّ الله حكيم ويُؤْتي الحِكمة وحليمٌ يؤتي الحِلم ورحيم يؤتي الرحمة ومن هنا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم " أنْ تخلَّقوا بِأَخلاق الله " ومن هنا كان اسْتِخْلاف الإنسان في الأرض قال تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)﴾
(سورة البقرة)
 أيها الإخوة الكِرام: قبل أنْ ندْخل في تفاصيل هذا الدرس لابد من وَقْفَةٍ قصيرةٍ حوْلَ الحِكْمة ؛ الحِكْمة تَدُلّ على الترْجيح ولا ترْجيح بِلا مُرَجِّح يعْني شيءٌ يُمْكن أنْ يكون في أوْضاعٍ كثيرة وأنت اخْتَرْت هذا الوَضْع المُناسِب فهذا العمل اسمه ترْجيح ؛ رَجَّحْتَ هذا المكان على هذا المكان فهذا الترْجيح يَحْتاج إلى مُرَجِّح وأَوْضَحُ مثَلٍ مِفْتاح الكهْرباء يُمْكن أنْ يوضَع في أسْفل الحائِط ويُمْكن أنْ يوضَع في أعلى الحائط أما حينما وُضِع في مكانٍ مُعْتَدِل يتناسَبُ مع طول الإنسان وحرَكَة يدِهِ نقول هذا المكان فيه حِكْمَة أو فيه ترْجيح ولا ترْجيح بِلا مُرَجِّح.

 ولعلّ دليل الحِكمة من أكبر الأدِلَّة على وُجود الله وعلى عَظَمَتِهِ فَمَثَلاً الطير الصغير الذي في البَيْضة كيف سَيَخْرُج منها ؟ في وَقْتٍ مُناسِبٍ جداً وفي مكانٍ مُناسِبٍ جداً يَنْمو له نُتوءٌ مُدَبَّب ويَثقب بِه جِدار البيْضَة وبعد حينٍ يتلاشى هذا النُّتوء ويعود مِنْقارُه إلى ما كان عليه في الوَقْتٍ المُناسِبٍ وفي المكانٍ المُناسِبٍ وفي الحجم المناسب وفي الشكل المُناسب ظهر هذا النُّتوء ونقول: هذا الترْجيح يَحْتاج إلى مُرجِّح والعَقْل لا يقْبل أنّ هذا الشيء تَمَّ وَحْدَهُ.


 الماء إذا برَّدْناهُ شأنُهُ كشأنِ أيِّ عُنْصر ينْكَمِشُ حجْمُهُ إلى درجة زائد أربعة تنْعكِس الآية ولولا هذه الخاصَّة لما كان على الأرض حياة ؛ يتَمَدَّدُ الماء إذا بلغَ درجة زائِد أربعة، حِكْمَةٌ مُطْلَقَة ولَوْلاها لما قامَتْ حياة فالحِكمة ترْجيح ولا ترْجيح بِلا مُرَجِّح.


  فالله سُبْحانَهُ وتعالى هو الحكيم فَهُو تعالى حِكْمَتُهُ مُطْلَقَة والإنسان حِكْمَتُهُ نِسْبِيَّة وأحْياناً يفْعلُ فِعْلاً غير حكيم بِسَبَب ضغْط أو إغراء أو بِسَبب جهْل فإما تحَمَّل ضغْطاً كبيراً فَتَكَلَّمَ كلِمَةً غير حكيمة أو وقف مَوْقِفاً غير حكيم أو سلَك طريقاً غير مَشْروع أو خضع لإغراءٍ شديد فاخْتَلَّ عَقْلُهُ وانْساقَ مع شهْوَتِهِ أو يجْهل حقيقة هذا الشيء فيرْتَكَبَ حماقَة، فالإنسان إذا بدا لك حكيماً فهُو حكيمٌ أحْياناً أما الحكيم مُطْلقاً هو الله عز وجل لأنه مُنَزَّهٌ عن الضغط والإكْراه والجهْل فأَفْعالُهُ تعالى تُلابِسُها الحِكْمة المُطْلقة.

  لذلك لا ألم ولا خَوْف ولا قلَق والحِكمة أن نضع الشيء المُناسِب في المكان المُناسِب في الحجم المُناسِب وفي الوقت المُناسِب وبِالقَدْر المُناسِب وبِالأسْلوب المُناسب والله هو وحْده الحكيم ولا حكيم سِواه وحكْمة البشَر مُسْتَنْبَطةٌ من حِكْمة الله ؛ وحينما فتح النبي عليه الصلاة والسلام مكَّة ماذا قال أبو سُفْيان ؟ قال: ما أَحْكَمَك وما أعْقَلَك وما أرْحَمَك وما أوْصَلَك.
 إخْواننا الكِرام، لمّا يقول الله عز وجل:

﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾
(سورة البقرة)
 فَرَبُّنا يقول: "خيراً كثيراً "، الخير الكثير لا بِحَجْمِ رصيدِك فيه من المصارِف ولا بِبَيْتٍ فَخْم ولا بِزَوْجَةٍ رائِعة ولا بِدَخْلٍ كبير ولا بِصِحَّةٍ جيدة إنما الخير الكثير أنْ تُؤْتى الحِكْمة لأنّك بِالحِكمة تسْعد وبِالحِكمة تُصْلِحُ الزوجة السيِّئة وبِالحُمْق تُفْسِد الصالِح وبالحكمة تَجْلِب المال وبِالحُمْق تُبَدِّد المال وبالحِكْمة تكْسِب الأصْدِقاء وبِالحُمْق تُفَرِّقُهم:
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾
 فالله عز وجل حكيم ويُؤتي الحِكمة.
 بعْضهم قال: الحِكمة ليْسَتْ كَسْبِيَّةً لا تُكْتَسَب ولكِنَّها تؤتى، وبعْضُهم قال: المؤمن حينما يسْتقيم على أمْر الله ويُخْلِص له يُكافِئهُ بالحِكمة، والله أيُّها الإخوة، أسْتَنِد فيما أقول لِقِصَصٍ من أزواجٍ وزوْجات ومن إخوة وأخواتٍ ومن شُرَكاء حُمْقٌ ما بعْده حُمْق وانْحرافٌ ما بعْده انْحِراف إنْسانٌ يُدَمِّر نفْسَهُ بِيَدَيْه ويُخَرِّب بيْتَهُ بِيَدَيْه ويُدمِّر سعادتَهُ بيَدَيْه لِعَدَم وُجود الحِكمة ؛ كلِمة غير مُناسِبة وهذا الكلام مؤلم ويحمل نتائج قاسِيَة، قال قائل:
إنَّ القلوب إذا تناثر وُدُّها  مثل الزجاجة كسْرُها لا يُجْبَرُ
هناك شيءٌ في الأدب يُسَمى التَّشْطير وهو أنْ يأتي شاعر فَيَجْعل من شَطْر البَيْت الشطْر الأول ويَصوغُ شَطْراً ثانِياً وشَطْراً ثالِثاً ويأتي بالشَّطْر الثاني ليجعله شطْراً رابِعاً:
إنَّ القلوب إذا تناثر وُدُّها  مثل الزجاجة كسْرُها لا يُجْبَرُ
 فَأخذ الشَطَّر الأول هذا البيْت فقال:
إنَّ القلوب إذا تناثر وُدُّهـا         عند الأكارم جَبْرُها لا يَعْسُرُ
قُلوب أرْذال الأنام إذا اِلْتوت     مثل الزجاجة كسْرُها لا يُجْبَرُ
 ثم جعل من الشطر الثاني من البيت السابق سطراً رابعاً.

- اسْمع قِصص الناس ترى العَجَب ؛ أزْواج مُتَباغِضون وأعْمال مُنْحَرِفة وخُصومات ففي البيوت مُشْكِلاتٍ لا يعْلَمُها إلا الله ونُفور وعَصَبِيَّة لأنه مقْطوع عن الحكيم فَكلامُهُ قاسٍ ورُدود فِعْلِه عنيفَةٌ جداً فلا هناك حبٌ ولا وِئام ولا تسامُح ولا سُرور تجد بيتاً يحْوي كلّ شيء إلا الحب فهو بِذلك خاوٍ من كل شيء ؛ فالإنسان بالحكمة يسْعد ومن دون الحِكمة يشْقى سمِعْتُ أنّ أحد العلماء ألَّف حَوْل هذه الآية كِتاباً من دَفَّتِه إلى دَفَّتِه:
﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾
 والله هناك زوْجاتٌ بِالحِكمة أصْبِحن أودَّ وأرحم زوْجات وهناك زوْجات بِالحُمق أصْبِحن أسْوأ زوْجاتٍ كلّ هذا من الزوج ؛ فهذا كلّ يوم يُقسو على زوْجته ويغلط لها القول، وليل نهار وراء عُيوبِها حتى يحطَّ من شأنها ويُحَطِّمها وحتى تُجابههُ وتردَّ عليه ردّاً عنيفاً وحتى يدمِّر الوُدّ الذي بيْنه وبينها أما المؤمن فيحْمد الله على كلّ شيء لن تجد إنساناً له كمال مُطلق أما الحكمة فإنها تجْعل النَّقص كمالاً والحُمق يجْعل الكمال نُقْصاً فانتبه اتِّصالُك بالله يُعْطيك الحكمة وذِكْرك الله عز وجل يُعْطيك الحكمة وتِلاوة القرآن تعطيك الحكمة والبطولة أن تسْعد في الدنيا والآخرة والسعادة أن تكون مع الحكيم وأنت تحْتاج إلى الحكمة كلّ ساعة بل كلّ دقيقة وبلا حِكمة يشْقى الإنسان ويَردى.
 أيها الإخوة الكِرام بِهذا نكون قد أنْهَيْنا الحديث حول هذا الاسم من الأسماء الحسنى المئة والله المُوَفِّق.
والحمد لله رب العالمين

Aucun commentaire: