vendredi 28 février 2014

فضائل يوم الجمعة

فضائل يوم الجمعة


بماذا يتميز يوم الجمعة عن غيره من أيام الأسبوع ؟ ولماذا ؟ .

الحمد لله
ليوم الجمعة ميزات وفضائل كثيرة ، فَضَّلَ الله بها هذا اليوم على ما سواه من الأيام
عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 ( أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا ، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ ) . رواه مسلم (856) .
قال النووي :
قَالَ الْقَاضِي : الظَّاهِر أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ تَعْظِيم يَوْم الْجُمُعَة بِغَيْرِ تَعْيِين وَوُكِلَ إِلَى اِجْتِهَادهمْ , لِإِقَامَةِ شَرَائِعهمْ فِيهِ , فَاخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ فِي تَعْيِينه وَلَمْ يَهْدِهِمْ اللَّه لَهُ , وَفَرَضَهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّة مُبَيَّنًا , وَلَمْ يَكِلهُ إِلَى اِجْتِهَادهمْ فَفَازُوا بِتَفْضِيلِهِ . قَالَ : وَقَدْ جَاءَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام أَمَرَهُمْ بِالْجُمْعَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِفَضْلِهَا فَنَاظَرُوهُ أَنَّ السَّبْت أَفْضَل , فَقِيلَ لَهُ : دَعْهُمْ . قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ كَانَ مَنْصُوصًا لَمْ يَصِحّ اِخْتِلَافهمْ فِيهِ , بَلْ كَانَ يَقُول : خَالَفُوا فِيهِ , قُلْت : وَيُمْكِن أَنْ يَكُون أُمِرُوا بِهِ صَرِيحًا وَنُصَّ عَلَى عَيْنه فَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَلْزَم تَعْيِينه أَمْ لَهُمْ إِبْدَاله ؟ وَأَبْدَلُوهُ وَغَلِطُوا فِي إِبْدَاله اهـ .
وليس بعجيب أن يُذكر لهم يوم الجمعة بعينه ثم يخالفون .
قال الحافظ : كيف لا وهم القائلون (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) !! اهـ
وعن أوس بن أوس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام ، وَفِيهِ قُبِضَ ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام ) . رواه أبو داود (1047) وصححه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (4/273) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود (925) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ) . رواه مسلم (1410) .
فتضمن هذا الحديث بعض الأسباب التي فُضِّل بسببها يوم الجمعة .
قال النووي :
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : الظَّاهِر أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِل الْمَعْدُودَة لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَته لأَنَّ إِخْرَاج آدَم وَقِيَام السَّاعَة لا يُعَدّ فَضِيلَة وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الأُمُور الْعِظَام وَمَا سَيَقَعُ , لِيَتَأَهَّب الْعَبْد فِيهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَة لِنَيْلِ رَحْمَة اللَّه وَدَفْع نِقْمَته , هَذَا كَلام الْقَاضِي . وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه الأَحْوَذِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : الْجَمِيع مِنْ الْفَضَائِل , وَخُرُوج آدَم مِنْ الْجَنَّة هُوَ سَبَب وُجُود الذُّرِّيَّة وَهَذَا النَّسْل الْعَظِيم وَوُجُود الرُّسُل وَالْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالأَوْلِيَاء , وَلَمْ يَخْرُج مِنْهَا طَرْدًا بَلْ لِقَضَاءِ أَوْطَار ثُمَّ يَعُود إِلَيْهَا . وَأَمَّا قِيَام السَّاعَة فَسَبَب لِتَعْجِيلِ جَزَاء الأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقِينَ وَالأَوْلِيَاء وَغَيْرهمْ , وَإِظْهَار كَرَامَتهمْ وَشَرَفهمْ , وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة يَوْم الْجُمُعَة وَمَزِيَّته عَلَى سَائِر الأَيَّام اهـ .
وعَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ ، فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ : خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) . رواه ابن ماجه (1084) . وحسَّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم (2279) .
قال السندي :
( يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة ) مِنْ قِيَام السَّاعَة ، وَفِيهِ أَنَّ سَائِر الْمَخْلُوقَات تَعْلَم الأَيَّام بِعَيْنِهَا ، وَأَنَّهَا تَعْلَم أَنَّ الْقِيَامَة تَقُوم يَوْم الْجُمُعَة اهـ
ومن فضائل هذا اليوم :
1- فيه صلاة الجمعة ، وهي أفضل الصلوات :
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) الجمعة/9 .
روى مسلم (233) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ) .
2- صلاة الفجر جماعةً يوم الجمعة خير صلاة يصليها المسلم في أسبوعه .
عن ابن عمر قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة ) . رواه البيهقي في "شعب الإيمان" . وصححه الألباني في صحيح الجامع (1119) .
ومن خصائص صلاة الفجر في يوم الجمعة أنه يسن أن يقرأ المصلي فيها سورة السجدة في الركعة الأولى ، وسورة الإنسان في الثانية .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِـ ( الم تَنْزِيلُ ) فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ ( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) . رواه البخاري ( 851 ) ومسلم ( 880 ) .
قال الحافظ ابن حجر :
قِيلَ : إِنَّ الْحِكْمَة فِي هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ الإِشَارَة إِلَى مَا فِيهِمَا مِنْ ذِكْر خَلْق آدَم وَأَحْوَال يَوْم الْقِيَامَة , لأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَسَيَقَعُ يَوْم الْجُمُعَة اهـ .
3- أن من مات في يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله فتنة القبر .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ) . رواه الترمذي (1074) . وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 49 ، 50) .
هذه بعض فضائل يوم الجمعة ، نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته .
والله أعلم .

كيف يستفيد الشاب من يوم الجمعة

كيف يستفيد الشاب من يوم الجمعة
محمد عبدالله الهبدان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين
 ـ أما بعد:
إن من المحزن حقاً ما نراه من واقع فئام من شبابنا في عدم مبالاتهم بالأوقات، وخاصة الأوقات الفاضلة،مع أنهم يدركون جيداً أن الحياة قصيرة وإن طالت، والفرحة ذاهبة وإن دامت، والصحة سيعقبها السقم، والشباب يلاحقه الهرم، ومن الأوقات الفاضلة التي فرط فيها بعض شبابنا، يوم الجمعة، الذي هدى الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم إليه، وأضل الأمم الماضية عنه، هذا اليوم الذي فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة ((
وما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا بحر، إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة))[رواه أحمد وحسنه الألباني]، وقد ذكر كعب الأحبار أنه: (( ما طلعت الشمس من يوم الجمعة إلا فزع لمطلعها البر والبحر والحجارة، وما خلق الله من شيء إلا الثقلين))[رواه عبدالرزاق في مصنفه 3/552]، ومع ذلك نرى التفريط والإضاعة في ساعاته، لذا لزاماً علينا أن ندرك بعض حقائق هذا اليوم حتى نعرف قدره، ونقدر أمره فمن ذلك:

أولاً:
عظم هذا اليوم :ـ
قد جاءت النصوص الشرعية في بيان عظم هذا اليوم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها))[ رواه مسلم]. وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال قـال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة)) الحديث[رواه أبو داود].

ثانيا:
فضل الجمعة والتبكير إليها:
لأن من أدرك فضل هذا اليوم سيدفعه ذلك إلى الاهتمام به، والحرص على انتهاز هذه الفرصة العظيمة، واستغلالها بكل ما أوتي من فعل الخيرات وترك المنكرات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن)) [رواه مسلم]. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قـال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب لـه ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)) [رواه البخاري].

ثالثاً:
عقوبة التخلف عن شهود الجمعة.
عن الحكم بن ميناء أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدثاه أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره : ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين))[رواه مسلم].
يقول الإمام الأوزاعي: كان عندنا ببيروت صياد،يخرج يوم الجمعة يصطاد،ولا يمنعه مكان الجمعة،فخرج يوماً، فخسف به وببغلته، فلم يبق منها إلا أذناها وذنبها.
 
وبعد فهذا برنامج مقترح لقضاء الوقت في يوم الجمعة
 
أولاً: ألا يسهر ليلة الجمعة إلى ساعات متأخرة من الليل ، لأن السهر سيفوت عليه التبكير إلى صلاة الجمعة ، قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : جدب – أي عابه وذمه – إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء [ رواه أحمد وصححه الألباني ] .

ثانياً :
أن يمكث بعد صلاة الفجر للذكر والتلاوة .

ثالثاً :
يستريح قليلاً ثم يتناول طعامه ويغتسل ويتطيب ويستاك ويقص شاربه ، ويلبس أنقى ثيابه . عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب الله ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى )) رواه البخاري .
يقول محمد بن إبراهيم التيمي : من قلم أظفاره يوم الجمعة وقص شاربه ، واستن ، فقد استكمل الجمعة . [ عبد الرزاق في مصنفه ] وكان ابن عمر رضي الله عنهما – لا يروح إلى الجمعة إلا أدهن وتطيب إلا أن يكون حراماً . ويقول أبو سعيد الخدري : ثلاث هن على كل مسلم في يوم الجمعة : الغسل والسواك ، ويمس طيباً إن وجد .

رابعاً :
أن يبكر للحضور الجمعة ماشياً لا راكباً ، لينال الأجر العظيم في تبكيره ، لما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر )) .
الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((
من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب فدنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها )) [رواه أحمد ] .
وهذا هدي الصحابة – رضي الله عنهم – يقول أنس بن مالك رضي الله عنه كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة
[ رواه البخاري ].

خامساً :
يستغل الشاب فترة جلوسه في المسجد بما يناسب قلبه وحاله ، إما بكثرة الصلاة وقد جاء في صحيح مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال : كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي : (( سل )) فقلت : أسألك مرافقتك في الجنة ، قال : (( أو غير ذلك )) قلت : هو ذاك قال : (( فأعني على نفسك بكثرة السجود )) وكلنا مطلبه أن يكون مع رسول الله عليه وسلم في الجنة ، وهذه الأمنية لا تحقق بعد رحمة الله تعالى إلا بفعل الأسباب ، ومن الأسباب كثرة الصلاة ، يقول نافع : كان ابن عمر يصلي يوم الجمعة ، فإذا تحين خروج الإمام قعد قبل خروجه ( عبد الرزاق 3/210) . ومن ذلك أيضاً : قراءة سورة الكهف فقد وردت نصوص في فضل قراءتها ، منها ما رواه الدارمي في سننه عن أبي سعيد الخدري قال : (( من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق )) (إسناده له حكم الرفع كما قال الألباني ) .
ثم يحاول أن يحفظ شيئاً من القرآن الكريم ليملأ قلبه ، وصدره منه ، فخير ما ملئت به القلوب كتاب الله تعالى ، روى الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
أن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب )) ( قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح )

سادساً :
إذا دخل الإمام لصلاة الجمعة ينصت للإمام ويستمع إليه ، وكي يستفيد من الخطبة ويستوعبها ، يفترض أنه سيسأل عن الموضوع بعد الخطبة أو يطلب منه أن يتحدث عن موضوع الخطيب ، فإنه بهذه الطريقة سيركز ذهنه وتفكيره مع المتكلم أكثر ، وجرب تجد صدق ما أقول .

سابعاً :
بعد الجمعة تؤدي سنتها أن كان في المسجد أربعاً ، لما روى الترمذي من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً )) وإن كنت في البيت فصل ركعتين ، لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين في بيته ، ثم بعد ذلك تتناول طعامك وتستريح ، لما روى البخاري من حديث سهل بن سعد قال : (( ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة )) .

ثامناً :
بعد العصر يمكن أن تستغله بزيارة قريب ، أو عيادة مريض ، أو مذاكرة علم ونحو ذلك .

تاسعاً :
قبيل المغرب يبغي الذهاب إلى المسجد للدعاء واستغلال ساعة الاستجابة ، لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال : (( فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها )) .
واختلف أهل العلم في تعيين هذه الساعة على أقوال كثيرة ، ولكن لعل أرجحها أنها آخر ساعة من العصر ، فحري بالشاب المسلم الذي يعلم فقره وحاجته إلى ربه ، أن ينتهز هذه الفرصة بالدعاء لنفسه بالهداية والثبات على هذا الدين والدعاء لإخوانه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .


عاشراً :
بعد صلاة المغرب يذكر ورد المساء ثم يؤدي نافلة المغرب .

الحادي عشر :
بعد المغرب إما أن يبقى مع الأهل للتحدث معهم ، وإفادتهم فيما ينفع ، أو يراجع دروسه اليومية .
ويتذكر الشاب أن ما يفعله من مراجعة الدروس أنه طلب للعلم ، وطلب العلم عبادة عظيمة ، يؤجر عليها العبد ، روى أبو داود عن كثير بن قيس قال كنت جالساً مع أبي الدر داء في مسجد دمشق فجاءه رجل فقال : يا أبا الدر داء إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جئت لحاجة قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((
من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر )) .

الثاني عشر :
بعد صلاة العشاء وتناول الطعام إن أحببت إن تقرأ من كتب العلم المناسبة لك فهذا حسن كما قال الشاعر :
وخير جليس المرء كتب تفيده *** علومـــاً وآدابـــــاً كـعقــــل مؤيد
ولا تسأمن العلم واسهر لنيله بلا ضجر تحمد سٌرى السير في غد

وإن أبيت ذلك فأوتر قبل أن تنام لتختم يومك بما يرضى العلام ، ولا تنس أذكار النوم وآدابه ، والله يحفظك ويرعاك وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

mercredi 26 février 2014

تفسير - سورة الطلاق => (اتق الله واتكل عليه ).

 تفسير - سورة الطلاق (65) -: تفسير الآيات 2 - 5 ، اتق الله واتكل عليه .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
 الآية الكريمة في سورة الطلاق وهي قوله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)﴾
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5)﴾
 ثلاث آيات في سورة الطلاق، الآية الأولى قانون إلهي، أصل من أصول التعامل بين العبد وربه.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾
 قد يتوهم، أن الأبواب كلها مغلقة، نزلت فلما استحكمت حلقاتها.
كن عن همومك معرض الأمور إلى القــضى
                            وأبشر بخير عــاجل تنسى به ما قد مـضى
فالرب أمر مسـخط لك في عواقبه رضـــى
                            ولربما ضاق المضـيق ولربما أتسع الفــضى
الله يفعل ما يشـــاء فلا تكن معــــترض
                           الله عودك الجـميـل فقس على ما قد مضـى

 من يتق الله في اختيار زوجته، يجعل الله له مخرجاً، من الشقاء الزوجي، من يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقه، من يتق الله في كسب المال يجعل الله له مخرجاً من إتلاف المال، من يتق الله في تطبيق الشرع الحنيف في صحته يجعل الله له مخرجاً من الأمراض العضال، من يتق الله في معاملة جيرانه، هذه الآية تكتب عليها مئات الصفحات، وآلاف الصفحات، ما دمت في طاعة الله فلك ألف ميزة وميزة لأن الله عز وجل يقول:
﴿ ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ﴾
( سورة الأحزاب:71 ).
 البائعون، البائع الذي يتق الله في معاملة الزبائن، يجعل الله له مخرجاً من موظفين يقهرونه، لأن أنت إذا خفت من الله مباشرةً لن يخيفك من أحد سواه ، إذا اتقيت الله فيما بينك وبينه، كفاك ما بينك وبين الناس، إذا اتقيت الله فيما تملك كفاك الله ما لا تملك، هي تقوى الله عز وجل ؛ أي طاعته، ومن يتق الله، مهما بدت لك الأمور عسيرة، مهما بدت لك الأبواب مغلقة، مهما بدت لك الظروف صعبة، مهما بد لك الأمل معدوماً.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾
 أما كلمة يجعل له مخرجاً، تعني أن الأمور تبدو لك مغلقة محكمة، ما في أمل، الأبواب كلها مغلقة، الطرق كلها غير سالكة الأسباب كلها معدومة، الأمل صفر، نزلت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظن أنها لا تفرج، كلام رب العالمين.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
 لو أن إنسان ضاقت به الدنيا، أنعدم دخله، أصبح دخله صفراً ثم أتيح له عمل غير مشروع، يكسب منه أموالاً طائلة، وضعه الله في ظرف محرج أغلق عليه كل أبواب الكسب المشروع، وفتح له باب غير مشروع، هذا الامتحان الصعب، المؤمن الصادق يقول الله هو الغني، لن أعصيه، ولو مت جوعاً، حينما يقف هذا الموقف تفتح له الأبواب الحلال، المشروعة، هذه سياسة ربنا مع عباده، يرد أن يمتحنك.
﴿ وإن كنا لمبتلين﴾
( سورة المؤمنون:30 ).
﴿ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ﴾
( سورة العنكبوت: 2 ).
 وما أكثر هذا الامتحان، تغلق أمامك كل الطرق المشروعة يفتح لك باب مشبوه، في شبها، في حرام، دخل كبير، الإنسان إذا سخط بقلك مضطر أنا عندي أولاد، الله ما بآخذني إن شاء الله بقلك:
﴿ لا يكلف الله نفسا ﴾
( سورة البقرة: 286 )
 بجيب آيات كمان.
﴿ إلا وسعها ﴾
( سورة البقرة: 286 )
 أم المؤمن الصادق، يقول والله لن أعصيه ولو مت جوعاً هكذا !! هذا موقفك !! حلق.
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾
 هي سياسة ربنا، مع عباده المؤمنين، حينما تضع مصلحتك تحت قدمك من أجل إرضاء ربك، يخضعك الله لقانون خاص، قانون العناية الإلهية، أنت الآن في عنايته، وأنت في عينه.
﴿ فإنك بأعيننا ﴾
( سورة الطور: 48 ).
 فالإنسان بد صبر، كمن من إنسان يعرض عليه عمل لا يرضي الله، قال معاذ الله، إني أخاف الله رب العالمين.
لذلك أيها الأخوة:
هذا الحديث، صدقوني يجب أن يكون أمام كل إنسان كل ساعة ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه.
 أحد الأخوة الكرام، ذهب إلى بلد، عنده معمل بسكوت فوجد خط حقه ثلاثمائة مليون، خط، ففاوضهم بشكل عجيب على سعر نقدي ثم قال أنا لا أقبل شراء هذا الخط إلا بالتقسيط، أما بهذا السعر، يعني دفعاً للشبهة، أرعدوا وازهدوا، وضجروا، ثم غادرهم إلى الشام تبعوه وباعوا هذا الخط بالسعر الذي فرضه، وبالطريقة التي أرادها هو يشتري هذا الشراء ليرضي الله عز وجل، قال لي والله أقل من سنة، الله عز وجل مكني من وفاء الدين، الشرط ثلاث سنوات الشرط.
قال لي إنسان آخر، ذهب قال لك مضطر في علاقة ربوية بالبيع والشراء، أثنى عشر سنة لسَع ما وفى حق معمله.

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾
 دائماً في قانون غير مرئي، قانون العناية الإلهية، هذا غير مرئي القانون لما الله عز وجل يرى عبداً يصر على طاعته، ويضع مصلحته تحت قدمه ويقول والله لا أعصي الله ولو مت جوعاً، الآن:
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾
 بنفتح الباب، كان مغلق، هذا لا يفتح إلا بعد الامتحان.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
 صدقوني عندي مائة قصة حول هذه الآية، بهذا المعنى إنسان ترك شيء لله مغري، دخل كبير، معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين، حسبيا الله ونعم الوكيل، حسبي رضاء ربي، هذا يكفيني وهذا أثمن شيء أساساً، فعندئذ ربنا عز وجل يعطيه، طاعته ورضائه، وتأتيه الدنيا وهي راغمة، إلا إذا في حكمة معينة، هذا شيء آخر.
الآية الثانية:
"﴿ ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا﴾
 ما في أصعب من تعسير الأمور، بدك الوثيقة الفلانية، راحت لشهر ثاني ناقص هذا التوقيع، كلما فتح باب أغلقت الأبواب، أصعب شيء على الإنسان أن تعسر أموره، والدعاء ربي يسر ولا تعسر، التيسير له قانون، هذا قانون التيسير.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)﴾
 ثمن التيسير طاعة الله عز وجل.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)﴾
 فإن أردت أن تيسر أمورك، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهل أحياناً في الأمور تيسر إلى درجة مذهلة، وأحياناً توضع العقبات بشكل غير معقول، فإذا رضي الله عنك، ألقى حبك في قلوب الخلق، كله ميسر، وإذا غضب على الإنسان ألقى كراهيته في قلوب الخلق، كله معسر، كله بدو تدقيق، كله يشك في كله تعسير، من أين يجعك، من أين يؤلمك، من الذي يزعجك سنفعله معك، إذا الإنسان أغضب الله عز وجل، ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا ألا تريد هذه الميزة، ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)﴾
 هذه الآية تؤكدها آية ثانية.
﴿ فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى ﴾
( سورة الليل: من 5 إلى 10 ).
 هذان قانونان التيسير والتعسير.
" أعطى ": عمله صالح.
" واتقى ": أطاع الله.
" وصدق بالحسنى": آمن.
يعني آمن، واستقام، وعمل عمل صالح.
" وأما من بخل ": لم يعمل عملاً صالحاً.
" واستغنى ": واستغنى عن طاعة الله.
" وكذب ": وكذب بالدين.
" فسنيسره للعسرى ".
 آمن، واستقام، وله عمل صالح، لم يؤمن، ولم يستقيم وليس له عمل صالح هذا يسر له، وهذا يعسر عليه.
الآية الثالثة والأخيرة:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ﴾
 بدنا الماضي، الماضي.
﴿ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ﴾
 التوبة، الماضي مغطى بالتوبة، والمغفرة.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ﴾
 يعني أيام إنسان، بجعل من ماضيه عقبة، أنا أخي ما كنت مستقيم، أنا لي إساءات كبيرة جداً، كيف بدي توب حلق، الله قال له:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ﴾
 الماضي يغطى بالتوبة، بالتوبة والمغفرة.
﴿ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5)﴾
 وتأتيه الدنيا وهي راغمة، ثلاث آيات، بسورة وحدة.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)﴾
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5)﴾
 والتقوى في أبسط معانيها طاعة الله عز وجل، أن تطيع الله إن أطعته فيما تعلم، كفاك الله ما لم تعلم، إن أطعته فيما تستطيع كفاك ما لا تستطيع، إن أطعته في أي شئن من شؤون حياتك، من يتق الله في بر والديه، يجعل الله له مخرجاً من عقوق الأولاد، من يتق الله في اختيار زوجته، من يتق الله في كسب ماله، من يتق الله في أمر صحته، من يتق الله في كل شيء، يجعل الله له مخرجاً، من يتق الله فلا يشرك، يجعل الله له مخرجاً من الخوف، من يتق الله فيوحد، يجعل الله له أمناً لا يوصف، فهي آية تعد أصل من أصول الدين، دائماً في مقدمة وفي نتيجة، إذا قدمت طاعة الله، جاءتك نتائج مذهلة، والمريحة.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
 من حيث لا يحتسب، بقلك أنا ما في إمكان أزوج، فعلاً معه حق، معاشي أربعة آلاف، بيت ما عندي، ما بكفوني أكل، أنت أتقي الله وأنظر، قال له يا معاذ ما حق العباد على الله، إذا هم عبدوه قال ألا يعذبهم، حق المسلم على الله أن يعينه إذا هو طلب العفاف.
﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
هي الآية الأولى.
﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾
 حلق أنت تقول حسبي الله ونعم الوكيل، هي جواب هذه الآية.
﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾
 لو توكلت على الله توكل حقيقياً، كفاك كل مؤنه، فهو حسبك.
﴿ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)﴾
 فهي ثلاثة آيات يجب أن توضع في الذهن دائماً.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)﴾
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5)﴾
والحمد لله رب العالمين

-من اسماء الله الحسنى : اسم الله مؤتي الحكمة .

-من اسماء الله الحسنى  اسم الله مؤتي الحكمة .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللّهم لا علم لنا إلاّ ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم، اللّهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصّالحين.
 

 أيّها الإخوة الكرام ؛ مع درسٍ جديد من دروس أسماء الله الحسنى ومع الدرس المُتِمِّ للمائة والاسم اليوم: مُؤْتي الحِكمة.
 

 أوَّلُ شيءٍ في هذا الاسم إنَّ الله حكيم ويُؤْتي الحِكمة وحليمٌ يؤتي الحِلم ورحيم يؤتي الرحمة ومن هنا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم " أنْ تخلَّقوا بِأَخلاق الله " ومن هنا كان اسْتِخْلاف الإنسان في الأرض قال تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)﴾
(سورة البقرة)
 أيها الإخوة الكِرام: قبل أنْ ندْخل في تفاصيل هذا الدرس لابد من وَقْفَةٍ قصيرةٍ حوْلَ الحِكْمة ؛ الحِكْمة تَدُلّ على الترْجيح ولا ترْجيح بِلا مُرَجِّح يعْني شيءٌ يُمْكن أنْ يكون في أوْضاعٍ كثيرة وأنت اخْتَرْت هذا الوَضْع المُناسِب فهذا العمل اسمه ترْجيح ؛ رَجَّحْتَ هذا المكان على هذا المكان فهذا الترْجيح يَحْتاج إلى مُرَجِّح وأَوْضَحُ مثَلٍ مِفْتاح الكهْرباء يُمْكن أنْ يوضَع في أسْفل الحائِط ويُمْكن أنْ يوضَع في أعلى الحائط أما حينما وُضِع في مكانٍ مُعْتَدِل يتناسَبُ مع طول الإنسان وحرَكَة يدِهِ نقول هذا المكان فيه حِكْمَة أو فيه ترْجيح ولا ترْجيح بِلا مُرَجِّح.

 ولعلّ دليل الحِكمة من أكبر الأدِلَّة على وُجود الله وعلى عَظَمَتِهِ فَمَثَلاً الطير الصغير الذي في البَيْضة كيف سَيَخْرُج منها ؟ في وَقْتٍ مُناسِبٍ جداً وفي مكانٍ مُناسِبٍ جداً يَنْمو له نُتوءٌ مُدَبَّب ويَثقب بِه جِدار البيْضَة وبعد حينٍ يتلاشى هذا النُّتوء ويعود مِنْقارُه إلى ما كان عليه في الوَقْتٍ المُناسِبٍ وفي المكانٍ المُناسِبٍ وفي الحجم المناسب وفي الشكل المُناسب ظهر هذا النُّتوء ونقول: هذا الترْجيح يَحْتاج إلى مُرجِّح والعَقْل لا يقْبل أنّ هذا الشيء تَمَّ وَحْدَهُ.


 الماء إذا برَّدْناهُ شأنُهُ كشأنِ أيِّ عُنْصر ينْكَمِشُ حجْمُهُ إلى درجة زائد أربعة تنْعكِس الآية ولولا هذه الخاصَّة لما كان على الأرض حياة ؛ يتَمَدَّدُ الماء إذا بلغَ درجة زائِد أربعة، حِكْمَةٌ مُطْلَقَة ولَوْلاها لما قامَتْ حياة فالحِكمة ترْجيح ولا ترْجيح بِلا مُرَجِّح.


  فالله سُبْحانَهُ وتعالى هو الحكيم فَهُو تعالى حِكْمَتُهُ مُطْلَقَة والإنسان حِكْمَتُهُ نِسْبِيَّة وأحْياناً يفْعلُ فِعْلاً غير حكيم بِسَبَب ضغْط أو إغراء أو بِسَبب جهْل فإما تحَمَّل ضغْطاً كبيراً فَتَكَلَّمَ كلِمَةً غير حكيمة أو وقف مَوْقِفاً غير حكيم أو سلَك طريقاً غير مَشْروع أو خضع لإغراءٍ شديد فاخْتَلَّ عَقْلُهُ وانْساقَ مع شهْوَتِهِ أو يجْهل حقيقة هذا الشيء فيرْتَكَبَ حماقَة، فالإنسان إذا بدا لك حكيماً فهُو حكيمٌ أحْياناً أما الحكيم مُطْلقاً هو الله عز وجل لأنه مُنَزَّهٌ عن الضغط والإكْراه والجهْل فأَفْعالُهُ تعالى تُلابِسُها الحِكْمة المُطْلقة.

  لذلك لا ألم ولا خَوْف ولا قلَق والحِكمة أن نضع الشيء المُناسِب في المكان المُناسِب في الحجم المُناسِب وفي الوقت المُناسِب وبِالقَدْر المُناسِب وبِالأسْلوب المُناسب والله هو وحْده الحكيم ولا حكيم سِواه وحكْمة البشَر مُسْتَنْبَطةٌ من حِكْمة الله ؛ وحينما فتح النبي عليه الصلاة والسلام مكَّة ماذا قال أبو سُفْيان ؟ قال: ما أَحْكَمَك وما أعْقَلَك وما أرْحَمَك وما أوْصَلَك.
 إخْواننا الكِرام، لمّا يقول الله عز وجل:

﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾
(سورة البقرة)
 فَرَبُّنا يقول: "خيراً كثيراً "، الخير الكثير لا بِحَجْمِ رصيدِك فيه من المصارِف ولا بِبَيْتٍ فَخْم ولا بِزَوْجَةٍ رائِعة ولا بِدَخْلٍ كبير ولا بِصِحَّةٍ جيدة إنما الخير الكثير أنْ تُؤْتى الحِكْمة لأنّك بِالحِكمة تسْعد وبِالحِكمة تُصْلِحُ الزوجة السيِّئة وبِالحُمْق تُفْسِد الصالِح وبالحكمة تَجْلِب المال وبِالحُمْق تُبَدِّد المال وبالحِكْمة تكْسِب الأصْدِقاء وبِالحُمْق تُفَرِّقُهم:
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾
 فالله عز وجل حكيم ويُؤتي الحِكمة.
 بعْضهم قال: الحِكمة ليْسَتْ كَسْبِيَّةً لا تُكْتَسَب ولكِنَّها تؤتى، وبعْضُهم قال: المؤمن حينما يسْتقيم على أمْر الله ويُخْلِص له يُكافِئهُ بالحِكمة، والله أيُّها الإخوة، أسْتَنِد فيما أقول لِقِصَصٍ من أزواجٍ وزوْجات ومن إخوة وأخواتٍ ومن شُرَكاء حُمْقٌ ما بعْده حُمْق وانْحرافٌ ما بعْده انْحِراف إنْسانٌ يُدَمِّر نفْسَهُ بِيَدَيْه ويُخَرِّب بيْتَهُ بِيَدَيْه ويُدمِّر سعادتَهُ بيَدَيْه لِعَدَم وُجود الحِكمة ؛ كلِمة غير مُناسِبة وهذا الكلام مؤلم ويحمل نتائج قاسِيَة، قال قائل:
إنَّ القلوب إذا تناثر وُدُّها  مثل الزجاجة كسْرُها لا يُجْبَرُ
هناك شيءٌ في الأدب يُسَمى التَّشْطير وهو أنْ يأتي شاعر فَيَجْعل من شَطْر البَيْت الشطْر الأول ويَصوغُ شَطْراً ثانِياً وشَطْراً ثالِثاً ويأتي بالشَّطْر الثاني ليجعله شطْراً رابِعاً:
إنَّ القلوب إذا تناثر وُدُّها  مثل الزجاجة كسْرُها لا يُجْبَرُ
 فَأخذ الشَطَّر الأول هذا البيْت فقال:
إنَّ القلوب إذا تناثر وُدُّهـا         عند الأكارم جَبْرُها لا يَعْسُرُ
قُلوب أرْذال الأنام إذا اِلْتوت     مثل الزجاجة كسْرُها لا يُجْبَرُ
 ثم جعل من الشطر الثاني من البيت السابق سطراً رابعاً.

- اسْمع قِصص الناس ترى العَجَب ؛ أزْواج مُتَباغِضون وأعْمال مُنْحَرِفة وخُصومات ففي البيوت مُشْكِلاتٍ لا يعْلَمُها إلا الله ونُفور وعَصَبِيَّة لأنه مقْطوع عن الحكيم فَكلامُهُ قاسٍ ورُدود فِعْلِه عنيفَةٌ جداً فلا هناك حبٌ ولا وِئام ولا تسامُح ولا سُرور تجد بيتاً يحْوي كلّ شيء إلا الحب فهو بِذلك خاوٍ من كل شيء ؛ فالإنسان بالحكمة يسْعد ومن دون الحِكمة يشْقى سمِعْتُ أنّ أحد العلماء ألَّف حَوْل هذه الآية كِتاباً من دَفَّتِه إلى دَفَّتِه:
﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾
 والله هناك زوْجاتٌ بِالحِكمة أصْبِحن أودَّ وأرحم زوْجات وهناك زوْجات بِالحُمق أصْبِحن أسْوأ زوْجاتٍ كلّ هذا من الزوج ؛ فهذا كلّ يوم يُقسو على زوْجته ويغلط لها القول، وليل نهار وراء عُيوبِها حتى يحطَّ من شأنها ويُحَطِّمها وحتى تُجابههُ وتردَّ عليه ردّاً عنيفاً وحتى يدمِّر الوُدّ الذي بيْنه وبينها أما المؤمن فيحْمد الله على كلّ شيء لن تجد إنساناً له كمال مُطلق أما الحكمة فإنها تجْعل النَّقص كمالاً والحُمق يجْعل الكمال نُقْصاً فانتبه اتِّصالُك بالله يُعْطيك الحكمة وذِكْرك الله عز وجل يُعْطيك الحكمة وتِلاوة القرآن تعطيك الحكمة والبطولة أن تسْعد في الدنيا والآخرة والسعادة أن تكون مع الحكيم وأنت تحْتاج إلى الحكمة كلّ ساعة بل كلّ دقيقة وبلا حِكمة يشْقى الإنسان ويَردى.
 أيها الإخوة الكِرام بِهذا نكون قد أنْهَيْنا الحديث حول هذا الاسم من الأسماء الحسنى المئة والله المُوَفِّق.
والحمد لله رب العالمين

من اسماء الله الحسنى : اسم الله العالم .

من  اسماء الله الحسنى : اسم الله العالم .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللّهم لا علم لنا إلاّ ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم، اللّهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا

العالم من مادّة العِلْم والعِلْم إدْراك الشيء على ما هو عليه مع الدليل ؛ إدْراك الشيء على ما هو عليه بالدليل أو هو مَقولَةٌ مقْطوعٌ بِصِحَّتِها تُطابِق الواقِع عليها دليل، فَلَو لم يكن عليها دليل لكانت هذه المقولة تقْليداً، ولو لم تُطابِق الواقِع لكانت هذه المقولة جهْلاً، ولو لم يكن مقْطوعُ بِصِحَّتِها تُعَدُّ هذه المقولَةُ وهْماً أو شَكاً أو ظناً، فالعِلْم ليس شكاً ولا ظناً ولا وهْماً ولكنَّه قطْعي، والعِلم ما طابق الواقِع وما كان عليه دليل وبِشَكْلٍ مُخْتَصَرٍ إدراك الشيء على ما هو عليه بالدليل.
- أيها الإخوة الكِرام، لا أُبالِغ إذاَ قُلت إنَّ من أخَصِّ ما يخْتَصّ به الإنسان العِلْم وأكثر صِفات الإنسان مُشْتَركةٌ بينه وبين بقِيَّة المخْلوقات إلا أنَّهُ يتمَيِّز بِقُوَّةٍ إدْراكِيَّة وكَرَّمَهُ الله بِالعِلم وفي أثناء الحديث عن الكرامات يُعَدّ العِلم أعظم كرامة ينالُها الإنسان من الله عز وجل مع أنَّ هذه الكرامة ليس فيها خرْقٌ للعادات.
èوبعد فإنَّ الله عالم يُحِبّ كُلّ عالم والناس رجلان: عالِمٌ ومُتَعَلِّم ولا خير فيمن سِواهُما، كُن عالِما أو مُتَعَلِّما أو مُسْتَمِعاً أو مُحِباً ولا تكُن الخامِسَة فَتَهْلِك فالعِلم إدْراك الشيء على ما هو عليه لو أنَّ الناس أدْركوا الحقائق على ما هي عليها لما اخْتَلَفوا ولما تحاربوا ولما تخاصَموا ولما عاشوا في شقاءٍ ما بعْده شقاء.
 فالقضِيَّة قضِيَّة عِلْم بل إن الإنسان الكافر وهو في النار يتلوَّى من الحريق يُنادي ويقول:

﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾
(سورة المُلك)
 فالذي بينك وبين أهل الدنيا هو العِلم لِذلك إذا أرَدْت الدنيا فعَلَيْك بِالعِلْم وإذا أردت الآخرة فعليك بالعِلم وإذا أردْتهما معاً فعَلَيْك بالعِلم والعِلْم لا يُعْطيك بعْضَهُ إلا إذا أَعْطَيْتَهُ كُلَّك فإذا أعْطَيْتَهُ بعضك لم يُعْطِك شيئاً ويَظَلُّ المرء عالِما ما طلب العِلم فإذا ظنّ أنَّه قد علِم فقد جهِل.
قال العلماء: العِلم عِلمان: إدراك ذات الشيء، والحُكْمُ على الشيء، تقول هذه طاوِلَة فالآن تُدْرِك ذات الطاوِلة أو تقول: هذه الطاوِلة مُتْقَنَةٌ فأنت بهذه العبارة أطلقت حكمك عليها، إذاً: فإما أنْ تُدْرِك حقيقة الشيء وكُنْهَ الشيء وهوِيّته وإما أنْ تحْكُم على هذا الشيء فالعِلم عِلمان: إدراك الذات وإدْراك الصّفات.
 والعِلم عِلمان: عِلم نظري وعِلم عملي ؛ عِلم تَقْتَبِسُهُ بِإلْقاء السَّمْع أو إعْمال الفِكر أو قِراءة الكِتاب أو سماع المُحاضرة وعِلْم تسْتَنْبِطه من الحركة والعمل، فالعلم الذي تسْتنبِطه من الحركة والواقِع العملي هو العِلم العملي والعِلم الذي تسْتقيهِ من الدروس والكُتُب وإلْقاء المُحاضَرات هو العِلم النظري.
 أيها الإخوة ؛ والعِلْم عِلمان: عقْليٌ وسَمْعي ؛ إما أنْ تصِل إليهِ بِذاتِك وعن طريق التأمّل وإما أنْ تُصْيغ السَّمع إلى غَيْرِك عن طريق التلقي، فإما أنْ تُفَكِّر وإما أنْ تُصْغي قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
 تفكِّر وتتأمَّل وتتدبَّر أو تُصْغي ؛ تأْخُذُهُ جاهِزاً عن طريق السمْع وتَصْنَعُهُ أنت عن طريق العَقْل، عِلْمٌ يُؤخذ عن طريق العقل وعِلمٌ يؤخذ عن طريق السمع وعِلْمٌ تتلقاهٌ نظرِياً وعِلْمٌ تسْتَنْبِطُهُ عملِياً وعِلم أساسُهُ إدْراك ذات الشيء وعِلمٌ أساسُهُ إدْراك صِفات الشيء.
 وبِالمُناسَبة أقول: هناك قِيَمٌ كثيرة يتفاضل بِها الناس ؛ فالمال قيمَةٌ تفاضُلِيَّة بين البشر والوَسامة والذكاء والقوة والوجاهَة والنَّسَب فهذه كُلُّها قِيَمٌ تفاضُلِيَّة ولكنَّ الله تعالى لم يَعْتَمِدْها فالله جلّ جلاله اعْتَمَدَ قيمة العِلم وهي التي رفع شأْنها قال تعالى:
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)﴾
(سورة الزمر)
 وقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)﴾
(سورة المجادلة)
 وقيل رُتْبَةُ العِلم أعْلى الرُّتَب، والدليل أنَّ أقْوى إنسان فيما يبْدو لكم في الأرض لا يسْتطيع أنْ يتَّخِذ قراراً إلا إذا سأل الخُبراء ؛ يُؤلِّف لجنة من كِبار العلماء في موضوعٍ ما ويطْرح عليهم سؤالاً فَيُعْطونَهُ خِيارات فَيَخْتار بين هذه الخيارات فَمَن الذي يَحْكم العالم إذاً ؟ هم العلماء ؛ فالذي بِيَدَهِ إصْدار القرار يَحْتاج إلى خِبرة العالم.
 وقد قال العلماء: " هناك فرْقٌ بين أن تُعْلِم وبين أنْ تُعَلِّم " فالإعْلام إلْقاء الفِكرة بِسُرعة لكن علَّمْتُهُ: إلْقاء الفِكرة مع التَّكْرار ومع الإتْقان ومع التعْليم والتَّحْفيظ.
 وقال بعضهم التعليم تنْبيهُ النفوس لِتَصَوُّر المعاني أما التعلم تنبُّهُ النفس لِتِلْك المعاني فالتَنَبُّه الذاتي تعلّم والتنْبيه القسري تعليم وقد حلَّت نظريات التعلم مكان نظريات التعليم فالإنسان لا يتعلّم إلا إذا أراد أنْ يتعلَّم وعُنْصر الاختيار أساسي جداً في التعلّم لذلك بعض الجامِعات الآن تُعَلِّم الحقائق لا عن طريق التلْقين بل عن طريق البحث الذاتي والبحث العلمي ينمو في الجامِعات المتقدمة.
 هذا الاسم العظيم اسم العالِم ورد في كِتاب الله عز وجل بِصِيَغٍ كثيرة قال تعالى:
﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2)﴾
(سورة الرحمن)
 أَيُعْقَل أنْ يُعلَم الإنسان القرآن قبل أنْ يُخْلق ؟ قال بعْضهم: قُدِّم تعْليم القرآن على خلْق الإنسان تقْديماً رُتَبِياً لا تقْديماً زمنِياً بِمعنى أنّ الإنسان لا معنى لِوُجوده دون منهجٍ يسير عليه " فالإنسان الشارِد الضائِع الذي لا يعْلم هو دابَّةٌ مُتَفَلِّتة، قيمة الإنسانِ بِالعِلم ؛ دخل على مَجْلِس عمر ابن عبد العزيز وُفود المُهَنِّئين وتَقَدَّمَهُم وفْد الحِجازِيِّين وتقَدَّم هذا الوفْد غلام يافع لا تزيد سِنُّهُ على اثنتَي عشْرة سنة فانْزَعَجَ الخليفة من هذا الغلام الذي يتَقَدَّم هذا الوفْد قال: أيها الغُلام اِجْلِس أنت ولْيَتَقَدَّم من هو أكْبرُ منك سِناً فقال هذا الغُلام: أصْلَح الله الأمير المرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ قلبِهِ ولِسانِه فإذا وهب الله العبْدَ لِساناً لافِظاً وقلْباً حافِظاً فقد اسْتَحَقَّ الكلام ولو أنَّ الأمر كما تقول: لَكانَ في الأمة من هو أحقُّ منك بِهذا المجْلِس فَدُهِشَ الخليفة.
 وصبيٌ آخر دخل على عبد الملِك ابن مرْوان فانْزَعَج عبد الملِك وقال لِحاجِبِهِ ما شاء أحدٌ أنْ يدْخل عليَّ إلاّ دخل حتى الصِّبْيان فقال هذا الصبِيُّ الناشئ: أيها الأمير إنَّ دُخولي عليك لم يُنْقِص من قدْرِك شيئاً ولكِنَّهُ شرَّفني أصابَتْنا ثلاث سنين: سَنَةٌ أذابت الشَّحْم وسَنَةٌ أكلت اللحم وسَنَةٌ نقَّت العظم ومعكم فُضول مالٍ فإن كانت لكم فَتَصَدَّقوا بِها عليْنا فإنَّ الله يجْزي المُتَصَدِّقين وإن كانت لنا فَعلام تحْبِسُها عنا ونحن أوْلى بِها وإنْ كانت لله فَنَحن عِبادُهُ فقال عبد الملِك: والله ما ترك هذا الغلام لنا في واحِدَةٍ عُذْراً.
 لِذلك قالوا: جمال الرجل فصاحَتُهُ، وسيِّدنا عمر ابن الخطاب عِمْلاق الإسلام والخليفة العظيم كهْف العدالة كان إذا مشى في الطريق من شِدَّة هَيْبَتِهِ تَفَرَّق الناس أمامهُ بل إنَّ الصِّغار إذا رأوْهُ تفرَّقوا ودخلوا إلى بُيوتِهِم وذات مرّةً مشى في سكك المدينة ورأى غِلْماناً صِغاراً فلما رأوْهُ هربوا إلا واحِداً منهم بقِيَ رابِط الجأْش فلما وصَل إليه قال يا غُلام لِمَ لم تهْرب مع من هرَبَ ؟ فقال: يا أمير المؤمنين لسْتَ ظالِماً فأخْشى ظُلْمَك ولسْتُ مذْنِباً فأخْشى عِقابَك والطريق يَسَعُني ويَسَعُك، فأعجب الخليفة بجرأته وحسن كلامه، ثم إنّ الله عز وجل يقول:
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)﴾
(سورة العلق)
 أيُّها الإخوة: لِكرامةِ الإنسان على الله أنَّهُ علَّمَهُ البيان (اللغة)، والشيء الذي يأْلَفُهُ الناس لا يثير اهتمامهم لألفته لديهم، ولا توقظ فيهم حسَّ تعظيم الله الذي تكرم به عليهم. فأنت باللُّغة تتَّصِل مع كلِّ الناس فأنت صباحاً تسْتمع لِنَشْرة الأخبار وكلّ ما في العالم فيتجمّع لدَيْك الكثير من المعلومات، فمثلاً: هُنا سَقَطت طائرة وهنا مذْبحة وهنا قامت حرْبٌ أهْلِيَّة وهنا خُطِفت طائِرة وهنا عُقِد مؤتمر وهنا... ألَيْسَ كذلك ؟ بِهذه الأُذُن وبِهذا النُّطْق بِدقائِق معْدودات أحطت بالمعلومات كغيره وفي بلاد متعددة فاللغة أداة اتِّصال بين أفْراد النوْع ويُمْكن أنْ تُعَبِّر عن مشاعِرِك وعن أفْكارِك بِاللُغة قال تعالى:
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ(91)﴾
(سورة الأنعام)
 لا زِلْنا في مادّة علِم والاسم اليوم عالِم قال تعالى:
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)﴾
(سورة البقرة)
 وقال تعالى:
﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)﴾
(سورة البقرة)
 فهذه كُلُّها أفْعال العِلم التي وردت في القرآن الكريم وسيِّدُنا موسى لما التقى بالعبد الصالح استأذنه في مصاحبته ليتعلم منه ورغم نبوته وفضله، قال تعالى:
﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66)﴾
(سورة الكهف)
 وقال تعالى:
﴿وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾
 أقول لكم هذه الفِكرة: وهو أنَّ الله سبْحانه وتعالى له أسْماءٌ كثيرة فَمِن أسْمائِه العليم وعلاَّم الغيوب ومن أَسْمائِه العالم ولِكرامَة الإنسان على الله أعْطاهُ قُوَّةً إدْراكِيَّة يُصْبِح بِها عالِما والحقيقة كُشوفات الإنسان العلمية تفوق حدّ الخيال.
 فأنْشْتايْن هذا العالِم الفيزْيائي الذي اكْتَشَفَ ما يُسَمى بالنظريَّة النِّسْبِيَة وهي أنَّ الخطوط في الفراغ ليْسَت مُسْتقيمة لكِنَّها مُنْحَنِيَّة وأنَّ كلَّ جسم يسير بِسُرْعة الضوء يُصْبِحُ ضوءً والضوء كُتْلَتُهُ صِفر وحجْمُه لا نِهائي فأيُّ جِسْمٍ سار بِسُرعة الضوء صار ضوْءاً بل إنَّهُ إنْ سبَق الضوء تراجع الزمن ؛ إن سار الجِسم بِسُرعة الضوءِ صار ضَوْءً وتوقَّفَ الزمن فإن سبق الضَّوْء تراجع الزمن وإنْ قصَّر عن الضوء تراخى الزمن فَلو أمْكَنَك أنْ تنْطَلِق من مَوْقِع معركة اليرْموك.
 مثلاً: وأنْ تصْعَدَ إلى الفضاء الخارِجي بِسُرْعَةٍ أعْلى من سُرْعة الضَّوء بعد حين ترى المعْركة وهي تقع لأَّنها حينما وقَعَت صدر عنها مَوْجات ضَوْئيَّة إلى الفضاء الخارِجي قبل ألف وأربعِمائة عام تقريباً، فلو أنت سبَقْتَ الضوْء لرَأَيْت هذه المعْركة كما هي وكأنَّها تقع الآن أمامك ولو سِرْت مع هذه المعركة لصارَت هذه المعركة أبَدِيَّةً وتوَقَّف الزمن ولو قصَّرْت عنها لكانت رِحْلةٌ في الفضاء ساعةٌ كأَلْفِ سنَةٍ على الأرض وهو بعض معاني قوْلِهِ تعالى:
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)﴾
(سورة الحج)
 فإذا ركِبْتَ مرْكَبَةً فضائِيَّة وسِرتَ بِسُرْعَةٍ أقَلّ من الضوء قليلاً ولتعلم أن الساعة في الفضاء الخارِجي تُساوي مائة عام في الأرض، فالله عز وجل سمَح لِهذا الإنسان أنْ يعْلم وإنَّ الله عالِمٌ يُحِبُّ العالِم ورُتْبَةُ العِلْم أعْلى الرُّتَب فَلِذلك حينما يُغْفِل الإنسان قيمة العِلم في حياتِهِ أو حين لا يعْتني بِإدْراكِهِ ولا يعْتَني بِالعِلْم ولا يطْلُبُهُ يَهْبِط عن مُسْتوى إنْسانِيَتِهِ إلى مُسْتوى لا يليق بِه والشيء الدقيق أنَّ:
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)﴾
(سورة يوسف)
 يُرْوى قبل ستِّين عاماً فيما أذْكر وفيما سَمِعْت أنَّ أحد شيوخ الأزهر قَدِم إلى الشام وشَيْخ الأزهر في مِصْر يُساوي مَرْتَبَةً علمية وله أيضاً مرتبة إدارية مرموقة عالِيَةً جداً فَجَلَسَ في بعض مجالِس الشيوخ في دمشق وهو الشيخ بدْر الدين وكان يَمْلأ هذا الكرسي لأنّ مرْتَبَتَهُ العلمية العالية، ومرتبته الإدارية تسمحان له بذلك، فلما سَمِع عِلْم الشيخ بدْر الدين غَيَّر من جَلْسَتِهِ إلى أنْ تطامَنَ
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
 وأحْياناً يكون الإنسان في مجَلْس لا يسْتطيع أحدٌ أنْ يرُدّ عليه فَيَتَكَلَّم بما يشاء فإذا اكْتَشَفَ أنّ في المجْلِس من هو أعْلم منه يسْكُت ولسان حاله يقول: سكَتُّ إجْلالاً لِعِلْمِك والإنسان من حِكْمَتِهِ البالِغة أنَّه إنْ كان في المجْلِس من هو أَعْلم منه عليهِ أنْ يلْزم الصمْت فإذا تكلَّم في حضْرة من يعْلم فقد أساء الأدب ولكن الذي يعلم قد زانه أدب العلم، فتراهُ يُصْغي للحديث بِسَمْعِهِ وبِقَلْبِهِ ولَعَلَّهُ أدْرى بِهِ.
 من الآيات التي وردت فيها كلِمة العالِم قوله تعالى: عالم الغيب فلا يُظهر على غيْبه أحداً إلا من ارْتضى من رسول، والنبي عليه الصلاة والسلام حدّثنا عن آخر الزمان قال:
((إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ))
[ رواه الترمذي ]
 وإذا وُسِّدت الأمور لِغَيْر أهْلِها فانتَظِر الساعة ومن علامات قيام الساعة أنْ يكون المطر قيْظاً والولَد غيْظاً ويفيض اللِّئام فيْضاً ويغيض الكِرام غيْضاً ومن علامات قيام الساعة أنْ يُصَدَّق الكاذِب ويُكَذَّب الصادِق وأنْ يؤْتَمَنَ الخائن ويُخَوَّن الأمين أحاديث كثيرة نبَّأنا بِها النبي صلى الله عليه وسلّم قال:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ))
[ رواه مسلم ]
 كيف أنَّها كاسِيَة عارِيَة ؟ إما إنَّ ثِيابَها تشِفُّ عما تحْتها هي كاسِيَة فيما يبدو ولكِنها عارِيَة لما يشفُّ عمّا تحت ثيابها أو أنَّها ضَيِّقة تصِف حجْمَ أعْضائِها فهي كاسِيَة عارِيَة ومائِلةٌ مُميلَة فَالْعَنوهُنَّ لأنَّهن ملْعونات كما قال عليه الصلاة والسلام ؛ قال تعالى:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26)﴾
(سورة الجن)
(( عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))
[ رواه ابن ماجة ]
 أليس هذا الحديث من دلائل نُبُوَّة النبي عليه الصلاة والسلام ؟ فهذا الحديث من أرْوَعِ الأحاديث وكأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام معناَ.
 أيها الإخوة الكِرام، هذا الاسْم العالِم ورد كثيراً مع الغيب والشهادة فقد قال عز وجل:
﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)﴾
(سورة الأنعام)
 عالِم الغيب والشهادة فكُلّ ما هو واقِع هو من عالم الشهادة وكلُّ ما لم يقع هو من عالَم الغيب فالله سبحانه وتعالى عالم الغيب وعالِم الشهادة ؛ عالِم الغيب والشهادة فَهُناكَ شيءُ يغيب عنك لِبُعْد مكانِه وهناك شيءٌ يغيب عنك لِبُعْد زمانِهِ، فأنت الآن في الشام لا تدْري ما هو الآن كائِنٌ بِحلب وفي الساحة الفُلانِيَّة وفي المكان الفلاني لا تدْري ما يكون في حلب هو من عالم الشهادة ولكنّه بعيدٌ عنك فالذي بيْنك وبيْنه مسافاتٌ طويلة لكن عالم الغيب الزَّمني ؛ الماضي السحيق أو المُسْتقْبل البعيد فَهُناك غَيْب الماضي هو بُعْد زماني وغيْبُ المُسْتَقْبل بُعْد زماني ولكنّ غيْب الحاضِر بُعدٌ مكاني فالله سُبْحانه وتعالى عالِم الغيب والشهادة ومن هنا كان سيِّدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أو رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا سافر دعا بِهذا الدعاء: " اللهم أنت الرفيق في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد " هو معك لأنه عالِم الشهادة وهو مع أهْلِك لأنه عالم الغيب فإذا دعا الإنسان بِهذا الدعاء قبل أنْ يُسافر يُلْقي الله في قلْبِهِ الطُّمأنينة والسكينة لأنّ الله تعالى كما يقول:
﴿قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)﴾
(سورة يوسف)
 تَرْوي بعض الأحاديث أنّ الله يوقِفُ عَبْدَيْن يوم القِيامة ؛ عبْداً أعْطاه مالاً فَيَقول له: قد أَعْطيْتُك مالا فماذاَ صنعْتَ فيه ؟ يقول: يا رب لم أُنْفِق منه شيئاً مخافَة الفقْر على أولادي من بعْدي يقول الله عز وجل: ألم تعْلم أني أنا الرزاق ذو القوة المتين ؟ إنَّ الذي خشيتَهُ على أوْلادِك من بعْدِك قد أنْزَلْتُهُ بهم ويقول لِعَبْدٍ آخر قد أَعْطيْتُك مالا فماذاَ صنعْتَ فيه ؟ يقول يا رب أنْفَقْتُهُ على كلِّ مُحْتاجٍ ومِسْكين لِثِقَتي أنَّك خيْرٌ حافِظاً وأنت أرْحم الراحِمين يقول الله عز وجل: أنا الحافِظ لأوْلادِك من بعْدِك، وفي قوْلِه تعالى:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)﴾
(سورة الزُمر)
 بِإمْكانِك أنْ تُسافِر وأنت مُطْمَئِنٌ على أهْلِك لأنَّك دعَوْت الله وهو الذي يعْلم الغَيْب والشهادة أنْ يحْفَظهم في غَيْبَتِك، قال تعالى:
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(105)﴾
(سورة التوبة)
 وقال تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ(116)﴾
(سورة المائدة)
 أحد مصادر قوة المؤمن أنّ الله تعالى عالِم الغيب والشهادة فقد يُلْهِمُهُ أنْ يأْخذ الاحْتِياط من عدُوِّهِ لأنَّ الله يعْلم الغيب والشهادة ؛ يعْلم الشهادة التي يشْهَدُها المؤمن ويعْلم ما يغيب عن المؤمن مثلاً لو كان هناك فريقاْنِ وكلاهما يكيد للآخر وكلا أعضاء الفريقين لا يعلم ما يفْعل خصْمُهُ فإذا كان أحد الفريقَيْن مع الله فالله يعْلم ما يَفْعل أعْضاء الفريق الآخر فَيُلْهِم الأوّل أنْ يفْعل كذا وكذا قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾
(سورة الحج)
 فإذا كنت مع الله فمن يسْتطيع أن يكون عليْك ؟ وإذا كان الله معك فَمَن عليْك ؟ لأن الله مع خصْمِك يَعْلَمُ سِرَّهُ ونَجْواه ويُلْهِمُك الصواب في كلِّ مَوْقِف وتأخذ لنفسك الحيطة وتحذر، قال تعالى:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)﴾
(سورة الرعد)
 الله جلّ جلاله هو العَلِيّ الأعلى الوهاب، قال تعالى:
﴿عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)﴾
(سورة المؤمنون)
 وقال تعالى:
﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)﴾
(سورة سبأ)
 فإذا توَلى إنسانٌ أمْراً وغاب عن عِلْمِهِ فيجري فيُقال عنه جاهِل وسَيَّبَ عملَهُ وضعيف الضبط وما استطاع أنْ يضْبِط أمورهُ، أما الله سبحانه فَكُلُّ شيءٍ يدْخل إلى الأرض يعْلَمُهُ وكلُّ شيءٍ يخْرُجُ منها يعْلَمُهُ ولا تخفى عليه خافية، وقال تعالى:
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)﴾
(سورة سبأ)
 وقال تعالى:
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)﴾
(سورة الأنعام)
 تصَوَّر أنَّكَ تمْشي في بُسْتان أيام الخريف ؛ كم من ورقة تسْقط في الخريف ؟ إذا كان أرْبَعَةُ أَخْماسِ الأشْجار أَشْجارٌ مُتَساقِطة الأوْراق فَكَم ورقَةً تسْقُط في الخريف ؟ عددها كبير جداً والصيغَةُ صيغة قصْرٍ لو قال سبحانه يعْلم سُقوط الأوْراق كان له معنى معين، وإنما قال: " وما تسْقط من ورقة إلا يعْلمها " فإذا كان يعْلم سُقوط ورقة ألا يعْلم ما يدور في ذِهْنِك ؟ وما تنْوي أنْ تفْعَل ؟.
 لِذلك أيها الإخوة، من الآيات التي تلْفِت النظر أنَّ الحجّ كلّهُ من أجْل أنْ تعْلم أنّ الله يعْلم أن المؤمنين سيملئون جنبات هذا المكان المقدس ويكذبون مصدر رزق لسكانه الذي سكنوه وهو غير ذي زرع، والكَون كلُّهُ من أجْل أنْ تعْلم أنَّ الله يعْلم قال تعالى:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)﴾
(سورة الطلاق)
 وقال تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
 وقال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)﴾
(سورة فاطر)
 إن الله سبحانه يعلم ما تنطوي عليه النفْسُ البشرِيَّة وما تُكِنُّ وما تُسِرّ وما يَخْفى عليها وما تَحْلم به وما يدْفَعُها وبواعِثُها:
﴿ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
 وهو سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء
 وفي الزمر قال تعالى:
﴿ قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾
 وفي سورة الحشر قال تعالى:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)﴾
(سورة الحشر)
 وفي سورة الجمعة، قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)﴾
(سورة الجمعة)
 وفي سورة التغابن، قال تعالى:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)﴾
(سورة التغابن)
 وفي سورة الجنّ، قال تعالى:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26)﴾
(سورة الجن)
 وقال تعالى:
﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)﴾
(سورة الأنبياء)
 آياتٌ كثيرةٌ جداً وردَتْ فيها كلِمة عالِم وهناك علاّم وعليم ؛ علام الغيوب سميع عليم، أما الدرس اليوم العالِم اسْمٌ من أسْماء الله الحُسْنى ويَبْدو أنّ أكثر الآيات التي وردت فيها كلِمة العالِم وهو اسْمٌ من أسْماء الله الحُسْنى ورَدَت هذه الكلِمة مُقْتَرِنة بِعالِم الغيب والشهادة أيْ أنَّ الغيب ما غاب عنك والشهادة ما تشْهَدُهُ فإذا وكَّلْتَ أمْرك إلى الله فهُو يُدافِعُ عنك فيما تشْهَدُهُ وفيما هو غائِبٌ عنك.
 أيها الإخوة الكِرام، مُلَخَّصُ هذا الدرس أو التطبيق العملي له هو كما يلي:
 راقِبْ نفْسَك ؛ لو طرق بابك إنْسان كريم له هَيْبَة ومكانة وعالِم ووَقور ودخل إلى البيت كيْفَ سَتَتَصَرَّف ؟ تَصَرُّفٌ حكيم تَنْتقي أجْمل الألْفاظ وتَرْتَدي أجْمل الثِّياب وتَجْلِس أمامهُ جلْسَةً مُؤَدّبة فإذا كنت تهابُ رجلاً من بني جِلْدَتِك له مكانةٌ في قوْمِهِ وتتأدَّبُ في مَجْلِسِه فَكَيْف إذا علِمْت أنْ الله يعْلم ؟ وكيْف إذا علِمْت أنّ الله علاّم الغيوب ؟ وكيف إذا علِمت أنّ الله لا يخْفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء ؟ وكيف إذا علِمت أنّ الله أقْرب إليك من حبْل الوريد ؟ وكيْفَ إذا علِمْتَ أنَّ الله يحولُ بين المرْء وقَلْبِهِ ؟ وكيف إذا علِمْت أنَّهُ يعْلم السِّر وأخفى ؟  وكيف إذا علِمْت أنّ الله يعْلم ما كان وما يكون وما سَيَكون ويعْلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
 لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أفْضل إيمان المرء أنْ يعْلم أنّ الله معه حيثما كان ))
 وهذا يخفر المؤمن أن يعرف قدر ربه فيها به ويستجدي رحمته وتوفيقه.
 هل يُمْكِن أنّهُ إذا كنت ترْكب مرْكَبَةً والإشارة حمْراء والشرْطي واقِف والضابِط موجود والذين على الدراجة جاهِزون ؛ هل يُمكن أن تتجاوز الإشارة الحمراء ؟ لأنك تعْلم أنَّك لن تنْجُوَ منهم جميعا فكيْف إذا علِمت أنّ الله معك دائِماً وأنَّك في قبْضَتِهِ ولن تسْتطيع أنْ تتفلَّت من عِقابِهِ أبداً.
 فيجب أنْ تعْلم أنّ الله يعْلم فإذا علِمْت أنّ الله يعْلم اسْتَقَمْتَ على أمْرِهِ وإنْ اسْتَقَمْتَ على أمْرِهِ سَعِدْتَ بِقُرْبِهِ في الدنيا والآخرة.
والحمد لله رب العالمين

mardi 25 février 2014

التمر.

 التمر.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
المذيع :
 إخوة الإيمان والإسلام، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
 إن موضع الحجة في القرآن الكريم هو إعجازه للخلق أجمعين، وهذا الإعجاز قد يكون إعجازاً بيانياً و لكن لن يكون في متناول إلا الذين يحسنون العربية و يعرفونها، أما صور الإعجاز العلمي فيمكن أن تصل إلى كل البشر في كل مكان، طالما استخدموا نعمة العقل التي منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان، في إنصاف، وتجرد، وفي صدق مع النفس، ليصلوا إلى حقيقة أن الله سبحانه وتعالى إله واحد، وأن دين الإسلام هو خاتم الرسالات، وأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
في حديثنا عن الإعجاز والتفكر، معنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، الأستاذ المحاضر في كلية التربية بجامعة دمشق، والخطيب والمدرس الديني في مساجد دمشق، أهلاً وسهلاً بكم.
الأستاذ :
أهلاً وسهلاً بكم سيدي. المذيع :
 في لقاء سابق ولقاءات سابقة قد تناولنا عدداً من الموضوعات التي تتصل بالإعجاز والتفكر في القرآن والسنة، فضيلة الدكتور، إذا ذهبنا إلى الجزيرة العربية نرى أنها غزيرة بالتمور المتنوعة ، وكما أن العرب من قبلنا وفي أحقاب زمنية متعددة تتركز أغذيتهم على التمور، وخصوصاً زمن النبي عليه الصلاة والسلام، فلابد أن للتمر من أهمية كبيرة، السؤال أهمية التمر وتركيباته ؟ الأستاذ :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا : حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : هِيَ النَّخْلَةُ ))
[ البخاري، مسلم، الترمذي، أحمد، الدارمي]
 ومن ألطف ما قرأت في هذا الموضوع أن مؤتمراً عقد في بلد يصدر التمور، ألقي فيه بحث تعلَّق بمشابهة النخل للإنسان، فقيل : جذعها منتصب كالإنسان، ومنها الذكر والأنثى، ولا تثمر إلا إذا لقحت، وإذا قطع رأسها ماتت، وإذا تعرض قلبها لصدمة هلكت، وإذا قطع سعفها لا تستطيع تعويضه كالإنسان تماماً، هي مغشاة بالليف الشبيه بالشعر في الإنسان.
أستاذ عبد الحليم، جزاك الله خيراً، في العالم ما يزيد على تسعين مليون نخلة، ومرة قرأت أن النخل من الأشجار المعمرة، قد تعيش ستة آلاف عام، ففي العالم الآن ما يزيد على تسعين مليون نخلة، تقدم الغذاء لبني البشر، ولاسيما للصائمين في رمضان، حيث فائدته أعظم.
 قال بعض العلماء : إن التمر الذي يتناوله الصائم مع الماء فيه خمسة وسبعون بالمئة من جزئه المأكول مواد سكرية أحادية، سهلة الهضم، سريعة التمثل، إلى درجة أن السكر ينتقل من الفم إلى الدم في أقل من عشر دقائق، فأسرع مادة غذائية يتمثلها الدم هو سكر الدم الأحادي، وفي الحال يتنبه مركز الإحساس بالشبع في الجملة العصبية، فيشعر الصائم بالاكتفاء، فإذا أقبل على الطعام أقبل عليه باعتدال، وكأنه في أيام الإفطار، أما المواد الدسمة فيستغرق هضمها وامتصاصها أكثر من ثلاث ساعات، لابد من توضيح هذه الفكرة.
 الإنسان متى يكفّ عن الطعام ؟ إذا وصل تنبيه إلى مركز الشبع في البصلة السيسائية، أو إذا امتلأت المعدة، إذا بدأ بالمواد الدسمة، المواد الدسمة يستغرق هضمها ساعات ثلاث فلا يصل التنبيه إلى مركز الشبع إلا بعد ثلاث ساعات، أما التمر فينتقل سكره الأحادي من الفم إلى الدم في عشر دقائق، فالإنسان إذا تناول المواد الدسمة، وبدأ بها فلا يمكن أن يحس بالشبع إلا بعد ثلاث ساعات، إذاً متى يتوقف عن الطعام ؟ عند امتلاء المعدة، أما إذا بدأ بالتمر فإن سكر التمر الأحادي يصل إلى مركز تنبه الشبع في عشر دقائق، فقد كان عليه الصلاة والسلام يفطر على تمرات ثلاث، ثم يصلي المغرب، ثم يجلس إلى تناول طعام الإفطار.
 شيء آخر، أنا أسمي الحقائق العلمية التي تطابقت تطابقاً عفوياً وتاماً مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمي هذه الظاهرة دلائلَ نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، فمن هدي النبي أنه كان يفطر على تمرات، وقد أكد العلم اليوم أن أفضل شيء للصائم أن يبدأ طعامه بالتمر، لأن سكره الأحادي يصل إلى مركز تنبه الشبع في وقت لا يساوي أكثر من عشر دقائق.
المذيع :
فضيلة الدكتور، ما هي المواد التي يتركب منها التمر
الأستاذ :
 هذا سؤال لطيف، التمر يمكن أن تقول : هو صيدلية، يمكن أن تقول : فيه مواد أساسية لغذاء الإنسان، فتتركب التمور من المواد البروتينية المرممة للأنسجة، ومن نسب ضئيلة من الدهن، ويحوي التمر خمسة أنواع من الفيتامينات الأساسية التي يحتاجها الجسم، كما يحتوي التمر على ثمانية معادن أساسية، ومئة غرام من التمر يومياً فيها من نصف إلى خُمس حاجة الجسم من المعادن، الجسم بحاجة ماسة إلى المعادن، فإذا أكل الإنسان مئة غرام من التمر يومياً يكون قد حقق من نصف إلى خُمس حاجة الجسم من المعادن.
يحتوي التمر أيضاً على اثني عشر حمضاً أمينياً، وفيه مواد ملينة، وفيه مواد مهدئة، وهناك خمسون مرضاً يسببها الإمساك، والتمر يقي من الإمساك.
وله آثار إيجابية في الوقاية من فقر الدم، ومن ارتفاع الضغط، ويعين على التئام الكسور، وهو ملين، ومهدئ، وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن التمر لا يتلوث بالجراثيم إطلاقاً، لأن تركيز السكر العالي يمتص ماء الجرثوم، وهذه الخيرات كلها، وقد عدّها بعض العلماء سبعة وأربعين عنصراً ممثَّلة في تمرة تأكلها، ولا تدري ماذا ينتفع الجسم بها، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ، يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ، أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ، قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ))
[ مسلم، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]
 قال بعض الأطباء : إن أفضل الدواء ما كان غذاء، وإن أفضل الغذاء ما كان دواء، ولابن القيم رحمه الله تعالى قول في التمر، قال : " هو من أكثر الثمار تغذية للبدن بما فيه من الجوهر الحار الرطب، وأكله على الريق يقتل الدود، فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية، فإذا أديم استعماله على الريق خفف مادة الدود، وأضعفه، وقلّله، أو قتله، وهو فاكهة وغذاء ودواء وشراب وحلوى.
المذيع :
لاشك فضيلة الدكتور أن الأطباء تحدثوا عن التمر وفوائده، وإن كان يقي من بعض الأمراض ؟
الأستاذ :
نحن حينما قلّدنا الغربيين في غذائنا فوقعنا في مشكلة كبيرة .
 هذا الغذاء المصفى أو العصير هو غذاء يعد رقيًّا اجتماعياً، لكن الحقيقة أن أصل تصميم هذه الفاكهة وهذه الخضراوات ينبغي أن نأكلها كما خلقها الله عز وجل، والسبب هو أن هذه الفواكه والخضراوات فيها ألياف، هذه الألياف لها دور كبير جداً في الجهاز الهضمي، هذه أولاً : مواد مالئة، وثانياً : مواد تعين على حركة الأمعاء، وثالثاً : هي مواد تمتص الكوليسترول الضار في الإنسان، ورابعاً : هي مواد لا تعين على زيادة الوزن.
 فالأطباء في حيرة شديدة من ارتفاع نسب الأمراض الخبيثة والوبيلة والمستعصية في هذه السنوات الأخيرة، أغلب الظن أن هذا يعزى إلى تغيير في خلق الله عز وجل، فحينما نعود إلى الحياة الطبيعية التي أمرنا الله بها، والتي رسمها لنا، والتي خلقها من أجل أن نعيش حياة ملؤها الصحة والسعادة ينبغي أن نعود إلى أصل التصميم، تمرات نأكلها أفضل ألف مرة من شراب نشربه ليس فيه مادة طبيعية، مواد كيميائية صرفة، لكن نؤخذ نحن بالإعلانات وبترويج هذه البضائع.
إن هناك أمراضاً وبيلة وخطيرة تعاني منها المجتمعات الغربية، التي أساس غذائها الغذاء المصفى، أكبر نسب أمراض سرطان القولون في اليابان، يعتمد ون على الغذاء المصفى.
 نحن بحسب بيئتنا نأكل التفاح بينما هناك يشرب عصير التفاح، الذي يلقى في المهملات هذه المواد السيللوزية التي تحدثت عنها قبل قليل مواد مالئة، محرضة لحركة الأمعاء، مواد تمتص الكوليسترول الضار، هذه كلها نضعها نحن في سلة المهملات، ونشرب المادة المصفاة.
أستاذ عبد الحليم، جزاك الله خيراً، إذا خلا غذاء الإنسان من الألياف فلن يكون طعامه مفيداً، يجب أن يأكل الإنسان في اليوم ثلاثين غراماً فما فوق من الألياف، وفي مئة غرام من التمر ثمانية غرامات ونصف من الألياف، هذه الألياف تقاوم الإمساك، والإمساك عرضٌ لخمسين مرضاً، وهذه الألياف تقاوم الدهون التي قد تسد الشريان التاجي، الذي هو مرض العصر الأول، فالتمر له فائدة كبيرة في الوقاية من هذه الأمراض، التمر فقير جداً إلى الصوديوم، إن مئة غرام فيها خمسة ميليغرامات من الصوديوم، ولكنه غني بالبوتاسيوم والمغنزيوم، وفي المئة غرام من التمر نصف حاجة الجسم من البوتاسيوم، وثلث حاجة الجسم من المعنيزيوم، إذاً هو فقير إلى العنصر الذي يسبب ارتفاع ضغط الدم الذي يسبب الخثرة في الدماغ، والجلطة في الدم، ومع انخفاض ضغط الدم يتمتع الإنسان بصحة جيدة.
 في المئة غرام من التمر واحد إلى ستة ميليغرامات من الحديد، والإنسان في أمسّ الحاجة إلى هذا العنصر، وله أثر كبير في الدم، وفي بعض النشاطات الحيوية في الجسم يحتاج الإنسان إلى هذا الحديد، وفي المئة غرام من التمر ثلث حاجة الإنسان من الفيتامين ب3، وهذا الفيتامين أساسي جداً في بعض المعادلات الحيوية في الجسم، والشيء الذي يلفت النظر أن التمر كما قلت قبل قليل : لا يقبل التلوث، لأنه لا تعيش فيه الجراثيم، وقد ورد في الحديث الشريف في وصف التمر أنه يذهب الداء ولا داء فيه.
أنا أتمنى على الإخوة المستمعين أن يعووا إلى الغذاء الطبيعي الذي خلقه الله لهم، وأن نبتعد عن صرعات الإعلانات المتعلقة بالأغذية التي يمكن أن تسبب لنا شعوراً بأننا عصريون، ولكنها تضر بأجسامنا، ولا تقدم لنا المادة الأساسية التي نحتاجها.
المذيع :
 إذاً فضيلة الدكتور، حثّنا النبي عليه الصلاة والسلام على أن نتغذى من التمر ليس فقط لأن الجزيرة العربية كانت غنية بهذا النوع من الغذاء، بل لأن له الفوائد الكبيرة.
الأستاذ :
نحن مادام الحديث عن التمر وعن الصيام، هناك بعض الحكم من الصيام، وكيف أن التمر له دور في هذا الشهر الكريم.
 قال بعض العلماء : إن الصيام يخفف العبء عن جهاز الدوران، والقلب، والأوعية، حيث تهبط نسب الدسم والحموض في الدم إلى أدنى مستوى، الأمر الذي يقي من تصلب الشرايين وآلام المفاصل، ويريح الصيام الكليتين وجهاز الإبراز، حيث تقلّ نواتج استقلاب الأغذية، ويتحرك سكر الكبد، ويحرك معه الدهن المخزون تحت الجلد، ويحرك معه بروتين العضلات، إذاً فصيام رمضان يعد دورة وقائية سنوية تقي من كثير من الأمراض، ودورة علاجية أيضاً بالنسبة لبعض الأمراض، إضافة إلى أنه يقي من أمراض الشيخوخة التي تنجم عن الإفراط في إرهاق العضوية، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن : " صوموا تصحوا "، لكن هذا لا يعني أن الإنسان ينبغي أن يصوم من أجل الصحة، الصيام عبادة ينبغي أن يؤدى كعبادة، ولكن أمر الله عز وجل فيه فوائد كثيرة، فأنت إذا أديت هذه العبادة أكرمك الله أيضاً بوقاية وعلاج لما يحتاجه الإنسان في هذا الشهر الكريم.
المذيع :
 إذاً إخوة الإيمان والإسلام في هذه الحلقة حدثنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي عن التمر، وهو الغذاء المحبب للعربي منذ القدم، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد حثنا على أن نفطر على هذا الغذاء، و هو التمر، فعَنْ الرَّبَابِ عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ ))
[ الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، الدارمي]
 إذاً يكفينا أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عن هذا الغذاء، وذكر بأنه بركة، وقال للسيدة عائشة
(( بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ ))
اللهم صلِّ، وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 نتابع الحديث عن آيات الله في هذا الكون، وفي القرآن الكريم، فقد ذكر القرآن الكريم الآيات الكثيرة الدالة على عظيم خلقه، ونتحدث مع فضيلة الدكتور عن هذه الآيات في حلقات قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
والحمد لله رب العالمين

﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ الضغط الجوي

 الضغط الجوي قال تعالى ( يجعل صدره حرجاً كأنه يصعد في السماء ).
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حاجة الإنسان إلى الأوكسجين.
أيها الإخوة الكرام، الإنسان بحاجة ماسة إلى الأكسجين و يحتاج إلى ضغط جوي معين، ست و سبعين زئبقي على سطح البحر، لكن قال العلماء من مستوى سطح البحر إلى ارتفاع عشرة آلاف قدم في هذه المسافة حاجة الإنسان إلى الأكسجين مؤمنة و الضغط مناسب، أما من عشرة آلاف إلى ستة عشر ألف قدم خلق الله في الإنسان أجهزة تكافئ نقص الأكسجين، أجهزة احتياطية، إذا نقص الأكسجين في هذه المسافة من عشرة آلاف قدم إلى ستة عشر ألف قدم نقص الأكسجين و نقص الضغط الجوي يتلافاه الإنسان بآليات معقدة جداً.
image
ينقص الاكسجين كلما ازداد الارتفاع:
لكن من ستة عشر ألف قدم إلى خمسة و عشرين ألف قدم أجهزة التكافؤ الفيزيولوجي لا يمكن أن تعمل بانتظام لذلك كمية الأكسجين تصبح غير كافية للأنسجة ما الذي يحصل ؟ يزداد وجيب القلب، يرتفع الضغط، يشعر بألم في الصدر، ثم يزداد هذا الألم لكن بعد خمسة و عشرين ألف قدم ينخفض الضغط كثيراً و لو تنفس الإنسان الأكسجين بشكل كامل الغازات في الجسم تتمدد حتى يصاب الإنسان في أمعائه و في مستقيمه و في معدته و في رئتيه بحيث لا يحتمل، آلام لا تحتمل، من نقص الضغط، لذلك الطائرات أيها الإخوة الكرام، لو تعطل جهاز ضغط الهواء في الطائرة ينبغي أن تهبط هبوطاً اضطرارياً و لو في الصحراء أو على سطح البحر أو يموت الركاب.
الآن دققوا في هذه الآية الكريمة يقول الله عز وجل:
﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾
[ سورة الأنعام: الآية 125]
أليست هذه الآية من دلائل إعجاز القرآن ؟ هل كان في عهد النبي طائرات ؟ هل صعد الناس إلى السماء في عهد النبي ؟ هذه آية لم تفسر بعد الآن فسرت، أي الطائرات الحديثة الآن يضخ هواؤها ثمانية أضعاف ليكون الضغط فيها مساوياً لضغط الأرض، إذا تعطل جهاز الضغط ينبغي أن تهبط هبوطاً اضطرارياً، و الآية دقيقة جداً، أولاً يشعر بضيق في صدره، بعد خمسة و عشرين ألف قدم يشعر بآلام لا تحتمل يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء.
أيها الإخوة الكرام، الآيات الكونية في القرآن تزيد عن ألف و ثلاثمئة آية إنها ثلث القرآن من أجل أن نعرف الله من خلال هذه الآيات، و لكن لحكمة بالغة لم يفسرها النبي بل ترك هذا لكل عصر، كلما تقدم العلم كشف جانباً من إعجاز القرآن العلمي.
image
كلما تقدم العلم كشف عن اعجاز قرآني جديد
الدعاء
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين