dimanche 26 janvier 2014

الأسماك تداوي الجروح.

بسم الله الرحمن الرحيم

 بينت لكم كثيراً أن التفكر في آيات الله في كونه أقصر طريقٍ إلى الله, وأوسع باب ندخل منه إلى معاينة عظمة الله عز وجل، من آيات الله الدالة على عظمته أن هناك فنوناً حربية تتقنها الأسماك, فالحرب كما تعلمون كر وفر، وما من حروب تدور إلا وفيها قتلى وجرحى .
 كذلك الأمر لدى سكان البحار، فكم من سمكة فرت وهي تحمل جراحاً من عضة أو نهشة أصابتها من عدوها؟

أمر حير العلماء :
 لكن الشيء الذي يلفت النظر هو أن جراح الأسماك سريعاً ما تلتئم في وقت قياسي لا يصدق، هذا السؤال حير العلماء، علماء الحيوان، عزى بعض العلماء ظاهرة سرعة التئام جروح الأسماك بوقت قياسي وقصير جداً بالقياس إلى التئام جروح الإنسان إلى ملوحة المياه, لكن هذا التفسير سقط أمام ظواهر كثيرة شاهدها علماء البحار بأم أعينهم, فعلماء البحار وعلماء الأسماك وجدوا من خلال الملاحظة الدقيقة أن بعض الأسماك إذا ما جرح يلجأ إلى أسماك من نوعه، يتناوب بعضها خلف بعض على الالتصاق بأماكن الجروح، أسماك تلتصق مع السمكة الجريحة، تأتي الأولى والثانية والثالثة إلى أن يلتئم الجرح ، اعتقد العلماء أن هذه الأسماك تفرز مواداً تعين على شفاء الجروح والتئامها .
إجراء تجارب:
 فما كان من علماء الأسماك إلا أن جاؤوا ببعض هذه الأسماك إلى مختبرات ووضعوها في مياه مالحة ووضعوها في الشروط نفسها, وأحدثوا جرحاً في بعض هذه الأسماك، الشيء الذي يلفت النظر ثانية أن هذه الأسماك امتنعت عن معالجة زميلاتها، وهي تحت سمع وبصر العلماء، وبقي هذا السر دفيناً سنوات طويلة، إلى أن استطاع عالم قضى سنوات طويلة في تحليل هذه المواد التي تفرزها الأسماك حينما تلتصق بزميلاتها الجرحى، فإذا هذه المواد سامة وضارة ظاهراً، لكن بعضها متخصص بتخثير الدم, وبعضها يعين على انقباض الجلد والعضلات، وفي بعضها مادة لاصقة .
 جيء ببعض هذه المواد ووضعت على جرح إنسان، فإذا هو يلتئم في ثلث الوقت الذي من عادته أن يلتئم به، يعني من عشرة أيام إلى ثلاثة أيام بتأثير هذه المواد، دون أن يكون لهذه المواد أية أعرض جانبية .
 قال العلماء: وكأن هذه المواد المتنوعة تتعاون فيما بينها, وتنسق وظائفها, وكأنها واعية هادفة تتعمد الوصول إلى نتيجة واجدة, ألا وهي سرعة التئام الجروح .

خلاصة القول :
 أيها الأخوة الكرام، هذه الآية الكونية مصداق قول الله تعالى:
﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾
[سورة طه الآية: 49-50]
 علم ما بعده علم، قدرة ما بعدها قدرة، لذلك قال بعض العلماء: كـل إنسان لا يرى من هذا الكون قوةً هي أقوى ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، حكيمةً هي أحكم ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، هو إنسان حي ولكنه ميت .
 ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، يمكن أن تفكر في الأسماك فترى العجب العجاب، يمكن أن تفكر في الأطيار التي زودها الله بقوة رؤية تزيد ثمانية أضعاف عن قدرة رؤية الإنسان, يمكن أن ترى طائراً يقطع سبعة عشر ألف كيلومتر من دون توقف, ما هذه الرحلة التي تعجز عنها أكبر الطائرات الأرضية؟ .
 أيها الأخوة الكرام, الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، يمكن أن تلمس من خلال الكون أسماء الله الحسنى، لذلك فإن القرآن طافح بالآيات التي تدعو إلى التفكر في خلق السموات والأرض .
والحمد لله رب العالمين

السنة الشمسية و القمرية و علاقتها بهذه الآيات ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25 ﴾) سورة الكهف

 السنة الشمسية و القمرية :

﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25 ﴾) سورة الكهف
- من إعجاز القرآن العلمي أن السنة الشمسية التي تسمى بالسنة الإنقلابية هي مدة تنقضي بين مروريين متتاليين للشمس في نقطة اعتدال واحد، مقدار هذه السنة ثلاث مائة وخمس وستون يوماً وألف وأربعمائة واثنان وعشرين بعد الفاصلة، هذه السنة الشمسية بالدقة، بمرورها يحدث الصيف والخريف والشتاء والربيع.
-  أما السنة القمرية تتكون من ثلاث مائة وأربعة وخمسين يوماً، وبعد الفاصلة ستة وثلاثين ألف وسبعمائة وثمانين، وهي المدة بين كسوفين متواليين مقسومة على عدد الحركات القمرية الدائرية.
- والفرق بين السنة الشمسية والقمرية عشرة أيام(10) وبعد الفاصلة ثمانمائة وخمس وسبعين ألف ومائة وسبع وثلاثين(8057137) وبذلك يقع في كل سنة في كل ثلاث وثلاثين سنة (33) فرق قدره ثلاثمائة وثمانية وخمسون يوماً(358)، أو نحو سنة تقريباً، وعلى ذلك فإن كل مائة سنة تزيد ثلاث سنوات، وتكون الثلاث مائة سنة الشمسية يقابلها ثلاثمائة وتسع سنوات قمرية(309)، هذا حساب الفلكيين الدقيق، ست أرقام بعد الفاصلة، وهذه الحقيقة الكونية ثابتة التي اطمأن إليها العلم الحديث واستقر عليها، سبق إليها القرآن في سرده لقصة أصحاب الكهف في قوله تعالى:
﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ﴾
(سورة الكهف)
 هذه السنة الشمسية .
﴿ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)﴾
(سورة الكهف)
هذه السنة القمرية
  - شيء دقيق جداً، بحسابات دقيقة بمراصد عملاقة، بحسابات فلكية بالغة الدقة بستة أرقام بعد الفاصلة، بعد الحساب الدقيق الثلاثمائة سنة الشمسية تساوي ثلاثمائة وتسع سنوات قمرية .
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضا عنا، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا به مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار، فنسال شر خلقك ونبتلة بحمد من أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك، اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا مانحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك، ونعوذ بك من عضال الداء، وشماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء، مولانا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم دمر أعدائك أعداء الدين اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم اللهم اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، اللهم انصر عبادك المؤمنين في مشارق الرض ومغاربها، وفي شمالها وفي جنوبها، وفي الأراضي المحتلة يارب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين .
والحمد لله رب العالمين 
للدكتور محمد راتب النابلسي

دعاء


تفسير سورة الأحقاف الآية 20

التفسير المختصر - سورة الأحقاف (46): تفسير الآية 20
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .
 أيُّها الإخوة الكرام ، الآية العشرون من سورة الأحقاف ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾
[ سورة الأحقاف الآية : 20 ]
 جزء من عقيدة المؤمن أن يعرف حقيقة الحياة الدنيا ، وأنَّها دار عمل وليسَت دار أمَل ، ودار تكليف وليْسَت دار تشريف ، فالذي يفْهم أن الحياة الدُّنيا دار اسْتِمتاع وتقلّب في النّعيم ، وطعام وشراب ، وسهرات ، ومُتَاع فحاله يكون كما وصف الله في هذه الآية .
 ورَدَ في بعض الأحاديث : إيَّاك عبد اله والتَّنَعُّم فإنَّ عباد الله ليْسُوا بالمتنعِّمين ! الإنسان قد يتنعَّم ‍، أما أن يجْعل التَّنَعُّم هدفه ، يعمل من أجله ؛ طعام وشراب واستمتاع ، فالأُناس الطَّيِبُّون غارقون في المباحات والمباحات شَغَلتهم عن الطاعات ، فالعُصاة موضوعهم آخر ، وهم خارج الحِساب ، فهذا الذي جَعَل همُّه مُتَعَ الحياة الدُّنيا والانْغِماس فيها ؛ موقفُهُ يوم القيامة ، كما قال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾
[ سورة الأحقاف الآية : 20 ]
 طبعًا كلمة الكُفْر واسِعَة جدًّا ، تضيق لِتَعني الخروج مِن مِلَّة الإسلام ، وتتَّسِع كما قال الله عز وجل :
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾
[ سورة التوبة الآية : 54 ]
 فهؤلاء يُصَلُّون ويُنْفِقون ، وقد وُصِفُوا عند الله تعالى بالكُفْر .
 هناك كفء يُخْرج مِن مِلَّة ؛ كأن تُكَذِّب بالوحي ، وبالقرآن ، وتُنْكِر فرْضِيَّة الصلاة والصِّيم والحج ، وذا هو الكُفر الأكبر ، أما حينما لا تعبأ بِقَوله تعالى :
﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
[ سورة البقرة الآية : 221 ]
 تُزوِّج ابنتَك لإنسانٍ غَنِيٍّ دون أن تعبأ بِدِينِهِ ، فأنت بِهذا كأنَّك كذَّبْت هذه الآية ، وهذا نوعٌ مِن الكُفْر ، وحينما يقول الله عز وجل :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾
[ سورة البقرة الآية : 276 ]
 فليمْتَنِعُ عن التَّصَدُّق ويُنَمِّي مالهُ بِطَريقٍ ربَوِي هو كافِرٌ بِهذه الآية بالذَّات فهناك كُفْر يشْمَل الدِّين كلَّه ، ويشْمَل الوَحي كلَّه والكتب السماوِيَّة ، والأنبياء وهناك كُفر جُزئي ، فحينما يقول الله عز وجل
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾
[ سورة النور الآية : 30 ]
 فإذا قال الواحِد أين أضَعُ عَيناي ‍؟‍!! فهل الآية غلَط ؟ ألم يقل الله عز وجل :
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾
[ سورة البقرة الآية : 286 ]
 فالكُفْر يضيق لِيشْمل تَكذيب الدِّين والوحي ، والقرآن ، وإنكار الفروض ، ويتَّسِعُ الكُفْر لِيَشْمَل كُلّ مَن يتحرَّك حركةً خِلاف منهج الله ؛ لأنَّه ليس قانِعًا بها ، أما إن كان مُقصِّرًا فهذا اسمُهُ فُسْق ، فالإنسان حينما يُغلبُ أمرُهُ يُسَمَّى فاسِقًا ، أما حينما يُنكِر يُسمَّى كافر ، رجلان لا يُصَلِّيان ، فالذي يقول : والله أنا مُقصِّر ؛ هذا فاسق أما الذي يقول : ما فائدة الصلاة ؟! فهذا كافر ، فالذي يُنْكِرُ فرْضِيَتها كافر أما الذي يدَّعي أنَّهُ مُقصِّر فهذا فاسِق ، قال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾
[ سورة الأحقاف الآية : 20 ]
 يُرْوَى أنَّ سيِّدنا عمر أمْسَكَ تُفاحةً شَهِيَّة فقال : أكلتها ذَهَبت ، أطْعَمْتُها بَقِيَتْ !
 سيِّدُنا النبي عليه الصلاة والسلام حينما كان يُوزِّعُ شاةً ، قالت له عائشة رضي الله عنها: لم يبْقَ إلى كَتِفُها ! فقال عليه الصلاة والسلام : بل بقِيَتْ كلُّها إلا كتفها !!
 ليس لكَ مِن مالِكَ إلا ما أكَلتَ فأفْنَيْتَ ، أو لبِسْتَ فأبْليْت ، أو تصدَّقْتَ فأبْقَيت ، فالمال جزءان ؛ قسم لك ، وقِسم ليس لك ، فالذي لك يُسَمَّى رِزْق والذي ليس لك يُسمَّى كَسْب ، فالرِّزْق ما انْتَفعْتَ به ، والكسب ما لم تنتفع به ، فالرِّزق ما انْتفعْتَ به وسَتُحاسَبُ عليه ، والكَسْب ما لم تنتفِع به وسَتُحاسَبُ عليه ! تصوَّر إنسانًا اقْتَرض مليون ليرة ، سُرِقتْ منه في الطريق ، فهذا الشَّخص سيُؤدِّي هذا المَبلَغ مع أنَّه لم ينْتفِع به ، فالرِّزْق ما انْتَفَعتَ به ، والكَسْب ما لم تنتفِع به .
 الآن الذي تنتفِعُ به ثلاثة أقْسام ؛ قِسمٌ هلَكَ كالطَّعام والشَّراب ، وقِسم بقِيَ وبلِيَ كالثِّياب ، فهؤلاء الذين كفروا يُقال لهم القيامة :
﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾
[ سورة الأحقاف الآية : 20 ]
 لذلك أيُّها الإخوة ، الإنسان الذي بلا رسالة ، ولا هَدَف ، ولا قيمة يسعى لها ، ولا درجة ولا مرْضاة يسْعى لِحُصولها هو إنسان شارِد وتائِه ! ما الذي يُعرِّفُكَ بِمَوْقِعِك من الدِّين ؟ دُروس العِلم ، وكنتُ أقول لكم دائِمًا ؛ متى تُعالِجُ نَفْسَكَ مِن الضَّغط المرْتَفِع ؟ إذا عرِفْتَ أنَّهُ معَكَ ضَغطٌ مرْتَفِع ، فلا بُدَّ مِن أن تقيسَ ضَغْطك مِن حينٍ لآخر عند الطَّبيب ، والمؤمن الصادِق لا بُدَّ من أن يحْضُر مَجلسَ العِلْم كي يعْرِف موقِعَهُ من الدِّين ؛ هل هو مع المُقْتَصِدين أم السابقين أم المُقصِّرين؟‍ وهل هو واقِعٌ في الشِّرْك الخَفِيّ أو الشِّرْك الجليّ ؟ وهل هو واقِع في الكُفْر ؟ فلا بدَّ مِن معرفة ذلك ، يقول تعالى :
﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾
[ سورة الأحقاف الآية : 20 ]
 قال تعالى :
﴿ فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾
[ سورة الأحقاف الآية : 20 ]
 الحقيقة أنَّ الإنسان أحيانًا يسْتكبر بِغَير الحق ، قال تعالى :
﴿ قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 26 ]
 سَمْعُكَ تمْلِكُهُ ، وبصرك تمْلِكُهُ ، وعَقلَكَ تمْلِكُهُ ، وحركتكَ تمْلِكُهُ فالذي يسْتكبر بِغَير الحق ، ويقول : أنا ‍! فهذا لا شيء ، نقطة دم في دِماغِهِ تَجْعلُهُ مَشْلولاً ، وأقْربُ الناس إليه يتمنَّى موْتَهُ ، فإمَّا أن يُسْمِعَهُ الدُّعاء ويقول له : خفَّف اله عنك ! وإمَّا أن يدعوَهُ سِرّا ، فأقرب الناس إليك ؛ زوْجتُكَ وأهْلُكَ والإنسان وهو في الفراش خِدْمتُهُ صَعْبة جدًّا ، لذا أنت لا تمْلك شيئًا ، لا حركتك ولا قوَّتَك ولا سمْعَكَ ، وهل تمْلِكُ أولادك وأهلَكَ ؟ أنت لا تمْلِكُ شيئًا ، فالذي يسْتَكبر فهذا اسْتِكبار بِغير الحق ، وكلّ إنسان يقول : أنا يدَّعِي ما ليس له ، وكلّ ذَنْب له عِقاب يُناسِبُهُ ، فالكِبر عذابُهُ الهون ونحن عندنا عذاب أليم ، وعذاب عظيم ، وعذاب مُهين ، فالمستكبر عذابه الهون قال تعالى :
﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾
[ سورة الأحقاف الآية : 20 ]
 تجد كلمات يقولها الناس هي كبيرة جدًّا ، وتقتضي لَيُقصَموا ، قال تعالى
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾
[ سورة البروج الآية : 12 ]
 لذا على الإنسان أن يَعُدَّ للمليون قبل أن يقول كلمة أكبر مِن حجْمِهِ ، فالله عز وجل يهْدِمُ أشياء كبيرة جدًّا ، ولذا قال : عرفْتُ اله مِن نقْض العزائِم .
 وهناك اسْتِكبار ، وهناك فِسق ، إلا أنَّني أُبلِّغُكم أنَّ معْصِيَةً سببُها الغلبَة شيء ، ومعْصِيَة سببها العِناد والاسْتِكبار شيء آخر ، فإبليس ما هو الذي أسْخَطَ عليه ؟ قال : أنا خير منه ! ولك أكن لأسْجُدَ لِبشَر خلقتَهُ مِن طين فَمَعْصِيَتُهُ معْصِيَةُ اسْتِكبار ، أما سيِّدنا آدم قال تعالى عنه :
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾
[ سورة طه الآية : 115 ]
 ففرْقٌ بين معْصِيَة آدَم ، ومعْصِيَة إبليس ، فإبليس عصى اسْتِكبارًا ، وآدَمَ عصى غلبَةً ؛ نسِيَ ، والذي يقَع في ذَنب بِدافِعِ الغلبة توْبتُهُ سَهلة جدًّا ، فالعبد لمَّا يقول : يا رب : أنا أخطأتُ ، يقول الله : وأنا يا عبْدي قبِلْتُ ، ويا رب قد تُبْتُ إليك ، والله يقول ، وأنا ق تُبْتُ على عبْدي ، أما الذُّنوب التي أساسها الاسْتِكبار فَتَوْبَتُها صَعبة جدًّا ، وعليه فَكُلّ إنسان يقْلبُ الموازين ، ويَجْعل الحياة الدُّنيا دار اسْتِمتاع ، ودار لَهو ، ونعيم ، ودار سُرور ، وحفلات ، وأماكن جميلة ، هذا الإنسان جَهِلَ حقيقة الحياة الدُّنيا ، فالطالب الذي بِقاعة التَّدريس معه راديو يسمع الأخبار ، ومجلاَّت ، ومكسَّرات يأكلها ، فهل يليق هذا بِطالب ؟! هذا المكان مكان دِراسة ، وليس مكان اسْتِمتاع ، أما إذا ذهَب الإنسان إلى نزهة ، وأخذ معه ما أخذ ، فهذا له ذلك ، فالنُّزْهة شيء ، والدِّراسة شيءٌ آخر ، فلمَّا يجعل الإنسان الدُّنيا دار نعيم ، فقد أدْخَل سيّدنا عمر أحد الشّعراء السِّجن ؛ لأنَّه قال بيتًا بِحَق أحد رؤساء القبائل اسمه الزَّبرَقان ، وعدَّتْهُ العرَب أهْجى بيتٍ قالهُ شاعر ، ماذا قال هذا الشاعر ؛ حُطَيأة ؟ قال :
 دع المكارم لا ترْحل لِبُغيَتِها واقْعُد فإنَّك أنت الطاعِمُ الكاسي
 هذا البيت الذي قاله هذا الشاعر هو شِعار الناس اليوم ، فما دام دخْله كبير وبيتُه واسِع ، ومُتمتِّع ، فهذا تجدهُ لا يعْبأ بِشيءٍ ، وهذا هو الذي عكَسَ الحياة الدُّنيا ، فهي دار عمل ، وجعلها هو دار أمَل ، وهي دار تكليف وهو جعلها دار تشريف ، فهذا هو الخطأ ، قال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾
[ سورة الأحقاف الآية : 20 ]
 آخر مثل لِتَوضيح الحقيقة ، أنَّه لو كان معك مليون ليرة ، ممكن أن تسْتثمرها بِشَركة تعطي بالمائة سبعين ، وبالمائة ثمانين ، فأنت يمكنك بالمليون أن تقوم بِرِحلة إلى اليابان ، وأوربا ، وينتهي المليون فإنفاق المليون هذا هو إنفاق اسْتِهلاكي ، وفيه حُمْق ، أما إنفاق المليون إنفاق اسْتِثماري ، فهذا فيه ذكاء ، وكلّ شيءٍ تمْلكُه في الدنيا ، مِن صِحَّة وفراغ وأمْن ، والزَّوجة والأولاد ، وطلاقة اللِّسان ، والذَّكاء ، هذه كُلُّها مواد أوَّلِيَّة ، وهي رأسُ مالِكَ ؛ فإمَّا أن تسْتَهْلِكَها ، وإمَّا أن تسْتَثْمِرها ، فإذا الإنسان سرَّ ، أدْخل على قلبهِ السُّرور فقد اسْتَهلكها ، أما إذا فكَّر بالكون فأنت يمكن أن تقرأ قِصَّة ، والقصَّة ممْتِعة ، أما لو قرأت الحديث والقرآن والسيرة ارْتقيْتَ عند الله، فالقراءة إمَّا أن تكون اسْتِهلاكِيَّة ، أو اسْتِثْمارِيَّة وكذلك الأمر في الأكل ؛ إمَّا أن تأكل حُبًّا في الأكل ، وإمَّا أن تأكل لِتَتَقوَّى على طاعة الله ، وإما أن تتزوَّج مِن اجل المُتْعة فقط ، وإما من أجل أن تنْجِبَ أولادًا يدعون إلى الله ، فَكُلّ شيءٍ يمكن أن توصِلَهُ بالحق أو بالباطل ، وأخْطَر شيء أن تُنْفِقَ ملَكاتِك ، وقُدْراتِك إنفاقًا استِهلاكيًّا ، فهذا هو الخاسِر ، وأعْقل الناس الذي لا يُضَيِّعُ مِن عُمُرِهِ ثانِيَة واحِدَة يُنفِقها في طاعة الله ، قال عليه الصلاة والسلام :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللّه عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَوْ أَنَّ الْأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الْأَنْصَارِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى ))
[ رواه البخاري ]
 فالمؤمن حركاته وسَكَناته أعمال صالحة له .

vendredi 24 janvier 2014

دعاء


دعاء الجمعة

دعاء الجمعة :

                                     بسم الله الرحمن الرحيم


لا إله إلا الله الملك الحق المبين لا إله إلا الله العدل اليقين لا إله إلا الله  ربنا ورب آبائنا الأولين سبحانك إني كنت من الظالمين لا إله إلا الله وحده لا شريك له . له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير - وإليه المصير - وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله إقراراً بربوبيته سبحان الله خضوعاً لعظمته ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 

اللهم لا تحرم سعة رحمتك ، وسبوغ نعمتك ، وشمول عافيتك ، وجزيل عطائك ، و لا تمنع عنى مواهبك لسوء ما عندي ، ولا تجازني بقبيح عملي ، ولا
تصرف وجهك الكريم عنى برحمتك يا أرحم الراحمين .

اللهم إليك مددت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي. فأقبل توبتي، وأرحم ضعف
قوتي، وأغفر خطيئتي، وأقبل معذرتي، وأجعل لي من كل خير نصيبا ، والى
كل خير سبيلا برحمتك يا أرحم الراحمين .
 
 اللهم إني أسألك يا فارج الهم ، و يا كاشف الغم ، يا مجيب دعوة
المضطرين ، يا رحمن الدنيا ، يا رحيم الآخرة ، أرحمني برحمتك .
 
و الحمد لله رب العالمين .

jeudi 23 janvier 2014

تفسير سورة هود (الآيات 32 -38 )

سورة هود (الآيات 32 -38 )  - تفسير السعدي

" قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين "

فلما رأوه, لا ينكف عما كان عليه من دعوتهم, ولم يدركوا منه مطلوبهم " قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " .
فما أجهلهم وأضلهم, حيث قالوا هذه المقالة, لنبيهم الناصح.
فهلا قالوا: إن كانوا صادقين: يا نوح قد نصحتنا, وأشفقت علينا, ودعوتنا إلى أمر, لم يتبين لنا, فنريد منك أن تبينه لنا.
لننقاد لك, وإلا فأنت مشكور في نصحك.
لكان هذا الجواب المنصف, للذي قد دعا إلى أمر خفي عليه.
ولكنهم في قولهم, كاذبون, وعلى نبيهم متجرئون.
ولم يردوا ما قاله بأدنى شبهة, فضلا عن أن يردوه بحجة.
ولهذا عدلوا - من جهلهم وظلمهم - إلى الاستعجال بالعذاب, وتعجيز الله.

" قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين "

ولهذا أجابهم نوح عليه السلام بقوله " إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ " أي: إن اقتضت مشيئته وحكمته, أن ينزله بكم, فعل ذلك.
" وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ " لله, وأنا ليس بيدي من الأمر شيء.

" ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون "

" وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ " .
أي: إن إرادة الله غالبة, فإنه إذا أراد أن يغويكم, لردكم الحق.
فلو حرصت غاية مجهودي, ونصحت لكم أتم النصح - وهو قد فعل عليه السلام - فليس ذلك بنافع لكم شيئا.
" هُوَ رَبُّكُمْ " يفعل بكم ما يشاء, ويحكم فيكم, بما يريد " وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " فيجازيكم بأعمالكم.

" أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون "

" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ " هذا الضمير محتمل أن يعود إلى نوح, كما كان السياق في قصته مع قومه, وأن المعنى: أن قومه يقولون: افترى على الله كذبا, وكذب بالوحي الذي يزعم أنه من الله, وأن الله أمره أن يقول " قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ " أي: كل عليه وزره " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " .
ويحتمل أن يكون عائدا إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وتكون هذه الآية معترضة, في أثناء قصة نوح وقومه, لأنها من الأمور التي لا يعلمها إلا الأنبياء.
فلما شرع الله في قصها على رسوله, وكانت من جملة الآيات الدالة على صدقه ورسالته, ذكر تكذيب قومه مع البيان التام فقال: " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ " أي.
هذا القرآن اختلقه محمد من تلقاء نفسه.
أي: فهذا من أعجب الأقوال وأبطلها, فإنهم يعلمون أنه لم يقرأ ولم يكتب, ولم يرحل عنهم لدراسة على أهل الكتاب, فجاء بهذا الكتاب, الذي تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله.
فإذا زعموا - مع هذا - أنه افتراه, علم أنهم معاندون, ولم يبق فائدة في حجاجهم.
بل اللائق في هذه الحال, الإعراض عنهم, ولهذا قال: " قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي " أي ذنبي وكذبي.
" وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ " أي: فلم تستلجون في تكذيبي.

" وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون "

وقوله: " وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ " أي: قد قسوا.
" فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " أي: فلا تحزن, ولا تبال بهم, وبأفعالهم.
فإن الله, قد مقتهم, وأحق عليهم عذابه الذي لا يرد.

" واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون "

" وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا " أي: بحفظنا, ومرأى منا, وعلى مرضاتنا.
" وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا " أي: لا تراجعني في إهلاكهم.
" إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ " أي: قد حق القول, ونفذ فيهم القدر.

" ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون "

فامتثل أمر ربه, وجعل يصنع الفلك " وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ " ورأوا ما يصنع " سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا " الآن " فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ "

تفسير سورة الطور

تفسير سورة الطور - تفسير السعدي

" والطور "

أقسم الله بالطور, وهو الجبل الذي كلم الله سبحانه وتعالى موسى عليه,

" وكتاب مسطور "

وبكتاب مكتوب, وهو القرآن

" في رق منشور "

في صحف منشورة ,

" والبيت المعمور "

وبالبيت المعمور في السماء بالملائكة الكرام الذين يطوفن به دائما,

" والسقف المرفوع "

وبالسقف المرفوع وهو السماء الدنيا,

" والبحر المسجور "

وبالبحر  المملوء

" إن عذاب ربك لواقع "

إن عذاب ربك - يا محمد- بالكفار لواقع ,

" ما له من دافع "

ليس له من مانع يمنعه حين وقوعه,

" يوم تمور السماء مورا "

يوم تتحرك السماء فيختل نظامها وتضطرب أجزاؤها, وذلك عند نهاية الحياة الدنيا

" وتسير الجبال سيرا "

وتزول الجبال عن أماكنها, وتسير كسير السحاب.

" فويل يومئذ للمكذبين "

فالهلاك في هذا اليوم واقع بالمكذبين

" الذين هم في خوض يلعبون "

الذين هم في خوض بالباطل يلعبون به, ويتخذون دينهم هزوا ولعبا.

" يوم يدعون إلى نار جهنم دعا "

يوم تدفع هؤلاء المكذبون دفعا بعنف ومهانة إلى نار جهنم ,

" هذه النار التي كنتم بها تكذبون "

ويقال توبيخا لهم: هذه هي النار التي كنتم بها تكذبون. 

" أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ " 

 
أفسحر ما تشاهدونه من العذاب أم أنتم لا تنظرون؟

" اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون "

ذوقوا حر هذه النار, فاصبروا على ألمها وشدتها, أولا تصبروا على ذلك , فلن يخفف عنكم العذاب , ولن تخرجوا منها, سواء عليكم صبرتم أم لم تصبروا, إنما تجزون ما كنتم تعملون في الدنيا.

" إن المتقين في جنات ونعيم "

إن المتقين في جنات ونعيم عظيم .

الظلمُ من الكبائر

الظلمُ من الكبائر :
الحمد لله اللطيف الخبير، العليم القدير، أحمد ربي وأشكره على فضله الكثير، وأشهد أن لا إله إلا الله العليُّ الكبير، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله البشيرُ النذير، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.

أيها المسلمون: إن الطاعات تتفاضَل عند الله بتضُّمنها تحقيق العبودية والتوحيد لله عز وجل، وعموم نفعها للخلق؛ مثل: أركان الإسلام، وإن الذنوب والمعاصي تعظُم عقوباتها ويتسعُ شرُّها وفسادُها بحسب ضررها لصاحبها والخلق. وإن الظلم من الذنوب العِظام والكبائر الجِسام، يُحيطُ بصاحبه ويُدمِّره، ويُفسِد عليه أمرَه، ويُغيِّرُ عليه أحوالَه، فتزولُ به النعم، وتنزل به النِّقَم، ويُدرِكُه شُؤمه وعقوباتُه في الدنيا وفي الآخرة، كما تُدرِكُ عقوبات الظلم الذُّريةَ.

ولأجل كثرة مضار الظلم وعظيم خطره وتنوُّع مفاسده وكثير شرِّه؛ حرَّمه الله بين عباده كما حرَّمه على نفسه، فقال تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تَظالمُوا» (مسلم: 2577). فالله حرَّم الظلمَ على نفسه -وهو يقدر عليه- تكرُّمًا وتفضُّلاً وتنزيهًا لنفسه عن نقيصة الظلم؛ فإن الظلمَ لا يكون إلا من نفسٍ ضعيفة لا تقوَى على الامتناع من الظلم، ولا يكون الظلمُ إلا من حاجةٍ إليه، ولا يكون إلا من جهلٍ، والله عز وجل مُنزَّهٌ عن ذلك كلِّه، فهو القوي العزيز الغني عن خلقه فلا يحتاجُ إلى شيء، وهو العليمُ بكل شيء. وحرَّم الله الظلمَ بين عباده ليحفظوا بذلك دينَهم ويحفَظوا دنياهم، وليُصلِحوا أمورهم، وليُصلِحوا دنياهم وآخرتهم، وليتمَّ بين العباد التعاوُن والتراحُم بترك الظلم، وأداء الحقوق لله ولخلق الله تعالى.

عباد الله: الظلمُ يضرُّ الفردَ ويُهلِكه ويُوقِعه في كل ما يكره، ويرى بسبب الظلم ما يسُوؤه في كل ما يحب، الظلمُ يُخرِّبُ البيوتَ العامرة، ويجعل الديار دامِرة، الظلمُ يُبيدُ الأمم ويُهلِك الحرثَ والنسل. ولقد حذَّرنا الله من الظلم غاية التحذير، وأخبرنا تبارك وتعالى بأن هلاك القرون الماضية بظلمهم لأنفسهم لنحذَر أعمالهم، فقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ . ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 13، 14]. وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59]. وقال تبارك وتعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ . أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 45، 46]، وقال تبارك وتعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40]، وقال تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].

وقد أجرَ الله هذه الأمة الإسلامية من الاستئصال والهلاك العام، ولكن تُبتَلى بعقوباتٍ دون الهلاك العام بسبب ذنوبٍ تقع من بعض المسلمين وتشيع حتى لا تُنكَر، ولا ينزجِر عنها أصحابُها، كما قال تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِين ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25].

 وعن زينب بن جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزِعًا يقول: «لا إله إلا الله، ويلُ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتِح اليوم من ردمِ يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلَّق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلتُ: يا رسول الله! أنهلكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثُر الخَبَث» (رواه البخاري ومسلم). فدلَّ الحديثُ على أن بعض الأمة صالحون وأن بعضهم تقع منهم ذنوب تُصيبُ عقوباتها الكثيرَ من الأمة في بعض الأزمان وفي بعض الأمكنة، وفُسِّر الخَبَث بالزنا، وفُسِّر بعمل قوم لوط، لقوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26]، وقوله تعالى عن لوطٍ عليه السلام: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: 74]. وفُسِّر الحديث بالخمر ونحوه من المُسكِرات والمُخدِّرات، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الخمرُ أم الخبائث» (حسنه الألباني). ويعمُّ الحديث كلَّ معصيةٍ تُغضِبُ الله تبارك وتعالى، وكل ظلمٍ وعدوان، ومعنى هذا الحديث عام في كل ما حرَّم الله، ويظلمُ به المسلم نفسَه أو يظلمُ به غيره.

أيها المسلمون: أصلُ الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وهو في الشرع: مخالفة شرع الله ومخالفة أمر الله بتركه لأمر الله، ومخالفة نهي الله بارتكابه. والظلم ثلاثة أنواع:

النوع الأول:

 ظلمٌ لا يغفره الله إلا بالتوبة، وهو: الشرك بالله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116]، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. فمن مات على الشرك بالله خلَّده الله في النار أبدًا، كما قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]، وكان ظلمُ الشرك غير مغفور لمن مات عليه؛ لأجل مُضادَّة رب العالمين في الغاية والحكمة من خلق الكون لعبادة الله، ولأن الشرك تنقُّصٌ لعظمة الخالق تبارك وتعالى، وصرفُ حقِّه إلى غيره لمخلوقٍ خلقه الله عز وجل، قال تبارك وتعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].

وأيُّ ظلمٍ أعظمُ من أن يجعل الإنسانُ لرب العالمين نِدًّا يعبُده من دون الله الذي خلقه؟! وأيُّ ذنبٍ أكبر من أن يتخذ الإنسانُ مخلوقًا إلهًا من الصالحين أو غيرهم يدعوه من دون الله، أو يرجوه، أو يستغيثُ به، أو يخافُه كخوف الله، أو يستعينُ به في شيءٍ لا يقدر عليه إلا الله، أو يتوكَّلُ عليه، أو يذبَحُ له القُربان، أو ينذُر له، أو يُعِدُّه لرغبته ورهبته، أو يسأله المَدَد والخير، أو يسأله دفع الشر والمكروه، أيُّ ذنبٍ أعظم من هذا الشرك بالله تبارك وتعالى؟! قال سبحانه: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5، 6]، وقال عز وجل: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ . وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ . وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ . ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ . لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 51- 55]. ومعنى قوله تبارك وتعالى: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} أي: دائمًا.

وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثِنتان مُوجِبتان، قال رجلٌ: يا رسول الله! ما المُوجِبتان؟ قال: من مات لا يُشرِك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يُشرِك بالله شيئًا دخل النار» (رواه مسلم). وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يدعو لله نِدًّا دخل النار» (رواه البخاري). وكما أن الشرك بالله تعالى أعظمُ السيئات والذنوب؛ فإن التوحيد لله تبارك وتعالى أعظمُ الحسنات والقُربات، كما في الحديث القدسي: «يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتَني لا تُشرِكُ بي شيئًا لأتيتُك بقُرابها مغفرة» (رواه الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديثٌ حسن").

والنوع الثاني من الظلم:

 الذنوب والمعاصي التي بين العبد وربه ما دون الشرك بالله؛ فإن الله تبارك وتعالى إن شاء عفا عنها بمنِّه وكرمه، أو كفَّرها بالمصائب والعقوبات في الدنيا، أو كفَّرها بعذاب القبر، أو تجاوز عنها الربُّ تبارك وتعالى بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، أو شفاعة غيره من الشافعين، أو يُعذِّبُ الله عز وجل صاحبَها في النار بقدر ذنبه، ثم يُخرِجُه من النار فيُدخِلُه الجنةَ إن كان من المُوحِّدين.

والنوع الثالث من الظلم: مظالمُ تقع بين الخلق في حقوقٍ لبعضهم على بعض تعدَّوا فيها، وأخذها بعضُهم من بعض، ووقعوا في ظلم بعضهم لبعض، فهذه المظالمُ لا يغفرها الله عز وجل إلا بأداء حقوق الخلق إليهم، فيُؤدِّي الظالمُ حقَّ المظلوم في الدنيا، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لتُؤدُّنَّ الحقوق قبل أن يأتي يومٌ لا درهمَ فيه ولا دينار، إنما هي الحسناتُ والسيئات، يُعطَى المظلومُ من حسنات الظالم، فإن لم يكن للظالم حسنات أُخِذ من سيئات المظلوم ووُضِعت على المظلوم ثم طُرِح في النار». والمظالمُ بين العباد تكون في الدماء، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزالُ المرءُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا» (صحيح البخاري). وقد قرنَ الله قتلَ النفس بالشرك بالله تبارك وتعالى لعظيم جُرم سفك الدماء، فقال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]، وفي الحديث: «لَزوالُ الدنيا بأسرِها أعظمُ عند الله من قتل رجلٍ مُؤمنٍ» (صححه الألباني)، وفي الحديث أيضًا في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضي الله تبارك وتعالى يوم القيامة في الدماء»، لأن الدماء أمرُها عظيم، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]. ألا ما أعظم جُرم من قتل النفوس وسفك الدماء، فإن الله تبارك وتعالى هو الذي يتولَّى عقوبَتَه، وهو الذي يأخذه ويُعاقِبُه في الدنيا والآخرة، قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42]، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليُملِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِته» (صحيح الألباني).

وتكون المظالمُ بين الناس في المال، وتكون باقتطاع الأرض والعقارات، وفي حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطَعَ شبرًا من الأرض طوَّقه الله إياه من سبع أرضين» (رواه مسلم). وتكونُ المظالمُ بين الأرحام بتضييع حقوق الرحِم، وتكون المظالم بين الوالدَيْن والأولاد بتضييع حقوقهما وإهمال تربيتهما، وتعريضهما للانحراف وسوء الأخلاق، وتكون المظالمُ بين الزوجين لترك حقوقهما من أحدهما للآخر، وتكون المظالمُ بين المُستأجرين والعُمَّال بسلب حقوقهم وتضييعها أو تأخيرها، أو اقتطاع شيءٍ منها، أو التحايُل على إسقاطها؛ فكلُّ ذلك ظلمٌ يُنذِرُ بعقوباتٍ مُدمِّرة لصاحب الظلم، نسأل الله تبارك وتعالى العافية، أو أن يُكلِّفهم بما لا يطيقون، والرسول صلى الله عليه وسلم  يقول: «أعطوا الأجيرَ حقَّه قبل أن يجِفَّ عرقُه». وقد تكون المظالمُ بالتعدِّي على حقوقٍ معنوية للناس، أو بغيبة، أو وشايةٍ بين اثنين، أو وشايةٍ بين قبيلتين، أو بين أناسٍ وأناس.

فاحذروا عباد الله الظلمَ؛ فإن الله تبارك وتعالى لا تخفى عليه خافية:  {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 144]. والظلمُ مُحرَّمٌ ولو وقع على كافر؛ فإن الله تبارك وتعالى لا يرضى أن يقع الظلمُ على أحدٍ ولو كان كافرًا أو فاسقًا، قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ . مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ . وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ . وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ . وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 42- 46].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله مُعِزِّ من أطاعه واتقاه، ومُذِلِّ من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله اجتباه ربُّه واصطفاه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فاتقوا الله حق تقواه، وراقِبوه واخشَوه مراقبةَ من يعلمُ أن الله مُطَّلعٌ على سرِّه ونجواه.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلمَ؛ فإن الظلمَ ظلماتٌ يوم القيامة» (صحيح مسلم). أيها الناس: لا يتعرَّض أحدكم لغضب الله وعذابه؛ فإنه ما وقع غضبُ الله على أحدٍ إلا هلَك، قال تعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81]، ومن أخذه الله بعذابه وظلمه فقد خسر خُسرانًا مبينًا، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19].

عباد الله: إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا»، فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد، كما بارَكت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين والكفر والكافرين يا رب العالمين، اللهم دمِّر أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين إنك أنت القوي العزيز.

اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك، يا رب العالمين. اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، وأصلِح ذات بينهم، واهدِهم سُبل السلام، وأخرِجهم من الظلمات إلى النور يا رب العالمين، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا متين. اللهم تُب علينا وعلى المسلمين، اللهم فقِّهنا والمسلمين في الدين يا أرحم الراحمين.

اللهم أذِلَّ البدع يا رب العالمين، اللهم أذِلَّ البدع التي هدَمَت الدين، اللهم أذِلَّ البدع التي هدَمَت الدين، اللهم أذِلَّ البدع إلى يوم الدين يا رب العالمين، اللهم لا تُقِم للبدع قائمةً أبدًا يا رب العالمين، إنك أنت القوي العزيز.

اللهم لا تُسلِّط على المسلمين الأشرار الفُجَّار، اللهم يا رب العالمين لا تُسلِّط على المسلمين من لا يخافُك ولا يرحمهم يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير. اللهم فرِّج كُربات المسلمين، الله ارفع الشدائد عن المسلمين يا رب العالمين، اللهم اجمعهم على الحق إنك على كل شيء قدير، ألِّف بين قلوبهم وأصلِح ذات بينهم يا رب العالمين. اللهم اجعل بلادنا آمنةً مطمئنةً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاة أمورنا يا رب العالمين.

اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رِضاك يا رب العالمين، اللهم أعِنْه على كل ما فيه خيرٌ وصلاحٌ وعِزٌّ للإسلام والمسلمين يا رب العالمين، اللهم أصلِح بِطانتَه، اللهم أعِنْه على أمور الدنيا والدين يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبَيْه لما تحب وترضى، اللهم وفِّقهما لهُداك، واجعل عملهما في رِضاك يا رب العالمين، وانصر بهم الدين، إنك على كل شيء قدير يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم أغِثنا يا رب العالمين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا يا أرحم الراحمين.

عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 90، 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

mercredi 22 janvier 2014

سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ

« سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ »
وَعَنْ أَبي الْفضلِ الْعَبََّاسِ بنِ عبد المُطَّلب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ ، عَلِّمْني شَيْئاً أَسْأَلَهُ اللهَ تَعَالى ، قَالَ : « سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ » فَمَكَثْتُ أَيَّاماً ، ثُمَّ جِئْتُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْني شَيْئاً أَسْأَلَهُ اللهَ تَعَالى ، قَالَ لِي : « يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ ، سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ » .
أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
ونذكُرُ هُنا بَعْضَ الأَدْعِيةِ المَأْثُورَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالَّتي كَانَ يُعَلِّمُهَا أَصْحَابَهُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ .
عَنْ ابنِ عمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ :  قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ : « اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا ، َواجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلى مَنْ ظَلَمَنَا ، وَانْصُرْنَا عَلى مَنْ  عَادَانَا وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وِلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمُنَا » .
أخرجه الترمذي وقال حديث حسن
وَعَنْ أَبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيْبَ اللهُ تَعَالى لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ في الرَّخَاءِ » .
أخرجه الترمذي وقال حديث حسن
وَعَنْ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : « اللَّهُمَّ إِنَّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى الْعَفَافَ وَالْغِنَى » .
أخرجه مسلم
وَعَنْ طارق بنِ أشيمَ الأَشجعيِّ الصَّحابيّ  رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي » .
وَفي رِوَايَةِ أُخرى لمسلم عن طارق : أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي ؟ قَالَ « قُلْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي ، وَعَافِني ، وَارْزُقْنِي ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دَنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ » .
وَعَنْ أَبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى ا للهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِيني الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي ، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الًَّتي فِيهَا مَعَاشِي ، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتِي الَّتي فِيهَا مَعَادِي ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِنْ كُلِّ شَرٍّ » .
أخرجه مسلم
وَعَنْ أَبي أُمامةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :  دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئَاً ، فَقُلْنََا : يَا رَسوُلَ اللهِ دَعَوتَ بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئَاً ، فَقَالَ : « أَلا أَدُلُّكُمْ مَا يَجْمَعُ ذلِكَ كُلُّهُ ؟ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ المُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ الْبَلاغُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ » .
                                                                                                             أخرجه الترمذي وقال حديث حسن

السؤال بالله عز وجل

« في السؤال بالله عز وجل »
وَعَنْ جَابِرٍ وَفي نُسْخَةٍ عَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأَعِيذُوهُ ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ » .
رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين

« وَفي النَّهْي عَن السُّؤَالِ بِوَجْهِ اللهِ »
رُوِيَ عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ مَوْلَى رِفَاعَةَ عَنْ رَافعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 
« مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللهِ ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللهِ فَمَنَعَ سَائِلَهُ » .                                                                                                                                           أخرجه الطبراني

النَّصَائِحُ العَشْر (لرسول الله صلى الله عليه و سلم )

النَّصَائِحُ العَشْر (لرسول الله صلى الله عليه و سلم )
1.  اقرأ كلَّ يَومٍ مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآنِ . وَأَكْثِرْ مِنَ الصَّلاةِ عَلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
2.  حَافظْ على الصَّلواتِ الْخَمْسِ وَصَلاةِ اللَّيْلِ وَصَلاةِ الضُّحى وَلَو رَكعتينِ .
3. أَدِّ الزَّكَاةَ المفرُوضَةَ عَلَيْكَ وَتَصَدَّقْ كُلَّ يَومٍ وَلَوْ قَلِيلاً ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ، وَصُمْ رَمَضَانَ وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ .
4. أَلا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُحِبُّهمُ اللهُ ؟ فَأَحببْ نَبيَّكَ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَبِالوَالِدَينِ إِحْسَاناً .
5. أَلا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَقُولُ : يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، قَالَ اللهُ تَعَالى : لَبَّيْكَ عَبْدِي ، سَلْ تُعْطَهْ؟ فَأَطِبْ مَطْعَمَكَ تُجَبْ دَعْوَتَكَ ، وَانْتَصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكِ ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ .
6. أَلا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ تُسْتَجَابُ دَعْوَتُهُ وَتتَلألأُ صَحِيْفَتُهُ نُورَاً يَوْمَ القِيَّامَةِ ؟ طَهِّرْ قَلْبَكَ وَأَكْثِرْ مِنْ قَولِ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلمُؤمنِينَ وَالمُؤْمِناتِ وَلا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ .
7. أَلا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْحَامِدِينَ الشَّاكِرِينَ المُقَرَّبِينَ ؟ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ للهِ ، قَالَ اللهُ : حَمَدَنِي عَبْدِي وَشَكَرَنِي . فَاسْتَكْثِرُوا مِنْ قَولِ : الْحَمْدُ للهِ وَسَلامٌ عَلى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى .
8.  أَلا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَأَنْ يُصْلِحَ اللهُ ذُرِّيَّتِكَ ؟ فَعَلَيْكَ بَآيَتَيِ الشُّكْرِ :
·  ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحَاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ في عِبَادِكَ الصَّالِحِيْنَ ) (1) .
·  ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعُمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحَاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحُ لِي في ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ ) (2) .
9. أَلا تُحِبُّ أَنْ أَدُلَّكَ عَلى مَا يَجْمَعُ لَكَ أَمْرَ دِيْنِكَ وَأَمْرَ دُنْيَاكَ ؟ فَاعْمَلْ مَا اسْتَطَعْتَ بِأَمْرِ اللهِ . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسُجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (3) .
10.   أَلا تُحِبُّ أَنْ أَدُلَّكَ عَلى قَلْبِ كُلِّ شَيْءٍ ؟ ( قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ) .
(1) سورة النمل الآية 19
(2) سورة الاحقاف الآية 15
(3) سورة الحج الآية 77

حكم من ذهب : ( لقمان الحكيم )

 حكم من ذهب : ( لقمان الحكيم )

  اتخذ طاعة الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة.
- من كان له من نفسه واعظ ، كان له من الله عز وجل حافظ.
- بئراً شربت منـــه ، لا تــــرمي فيه حجــــــراً ...
- لا تكن حلو فتبلع ، ولا مرّا فتلفظ .
-   أول الغضب جنون ، وآخره ندم .
-  لا تؤخر التوبة  فإن الموت يأتي بغتة .

وصايا لقمان الحكيم لابنه

وصايا لقمان الحكيم لابنه : 

- للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح ) :
إن القرآن الكريم والسنة النبوية وما يحويان في طياتهما من معالم وآداب وأخلاق، دليل المربين السالكين طريق الإصلاح في كل زمان ومكان، وإن من أبرز القصص في القرآن الكريم التي يجب أن يضعها كل مرب ومصلح نصب عينيه هي قصة لقمان الحكيم في وعظ ولده ووصيته، حيث جمعت  منزلة لقمان الحكيم .


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]

- عباد الله! لقد اشتمل كتاب الله عز وجل على وصايا وإرشادات وتوجيهات، من أخذ بها أفلح وأنجح ، ومن تلكم الوصايا التي ينبغي أن يربى عليها الأبناء وأن يعنى بها من قبل الآباء والمربين والمعلمين، وصايا لقمان لابنه.
- وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: إن الله إذا أثنى على عبد في كتابه بخير فإنه يطلب منا أمران: 
 الأمر الأول: أن نحب ذلك الشخص الذي أثنى الله عليه خيراً.
الأمر الثاني: أن نتبعه في تلك الصفات التي استحق بها الثناء من الله بالخير.
-  يقول الله عز وجل: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ )[لقمان:12]، لقمان ليس نبياً من الأنبياء، وإنما هو عبد من عباد الله، امتن الله عليه بالعلم، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ [لقمان:12]، والحكمة: هي الفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويؤخذ من هذا أيضاً عظم نعمة العلم والفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن ذلك أعلى المراتب كما قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: لا أعلم مرتبة بعد مرتبة النبوة أعلى من مرتبة تعلم العلم وتعليمه. 

وصايا جامعة من لقمان لابنه :

 التحذير من الشرك بأنواعه :
يقول لقمان موصياً ابنه بتلكم الوصايا العظيمة والقواعد الكبيرة:(يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ)[لقمان:13]، هذه هي الوصية الأولى التي ينبغي أن يربى عليها الأبناء والأجيال، أن يربوا على التوحيد، على إفراد الله عز وجل بالعبادة، أن يعلموا التوحيد ويحذروا من الشرك.والشرك: هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، سواء كان ذلك في الألوهية أي: في العبادة، أو في الربوبية، أي: في شيء من خصائص الربوبية، أو في الأسماء والصفات.فمن صرف شيئاً من خصائص الألوهية، بأن صرف عبادة من العبادات لغير الله، كالركوع والسجود والصلاة والطواف والنذر والذبح وغير ذلك، فقد وقع في الشرك الأكبر.كذلك أيضاً: من صرف لغير الله شيئاً من خصائص الربوبية، كالخلق المطلق، والتدبير المطلق، والملك المطلق، والتصرف في الكون، وعلم الغيب، وغير ذلك، فقد أشرك في توحيد الربوبية.كذلك أيضاً: من صرف شيئاً من خصائص الأسماء والصفات لغير الله عز وجل، فقد أشرك في توحيد الأسماء والصفات، فحري بالآباء والمعلمين والمربين أن يربوا الأبناء والبنات على توحيد الله عز وجل، وعلى تحذيرهم من الشرك وشوائبه.
 مراقبة الله في السر والعلن :
وأما الوصية الثانية:( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان:16]، يوصيه بمراقبة الله عز وجل دائماً: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ [لقمان:16]، بمعنى وزن: حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ [لقمان:16]، يعني: مهما كان العمل صغيراً. فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ [لقمان:16]، يكن هذا العمل في أخفى مكان؛ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ [لقمان:16]، في أعلى مكان: أَوْ فِي الأَرْضِ [لقمان:16]، في أسفل مكان، فإن الله سيأتي بهذا العمل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وتربية الأجيال والأبناء على المراقبة يحدث فيهم قوة التعلق بالله عز وجل، وقوة الإيمان، والخوف منه سبحانه وتعالى، والمبادرة إلى امتثال الأمر واجتناب النهي.لقد جعل الله عليك يا ابن آدم من يراقبك في سرك وعلانيتك وعلى أي حال كنت: جوارحك ستشهد عليك يوم القيامة، قال الله عز وجل: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [فصلت:21]، بل الأرض التي تمشي في مناكبها، وتدب عليها ستشهد عليك يوم القيامة، قال الله عز وجل: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) [الزلزلة:4]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تخبر عن كل عامل بما عمل عليها)، بل إن الله عز وجل جعل عليك ملائكة كراماً كاتبين يحصون أقوالك وأفعالك: فقال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ)[الانفطار:10-11]، وقال:( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49].
 المحافظة على الصلاة في أوقاتها :
وأما الوصية الثالثة للأبناء فهي قوله سبحانه عن لقمان موصياً لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) [لقمان:17]، الصلاة صلة بين العبد وخالقه، وفيها عون للمرء على حوائج دينه ودنياه:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة:153]، ولم تكن الوصية بالصلاة قصراً على الحكماء، بل أوصى بها الأنبياء، وأمر بها المرسلون، قال الله عز وجل عن إسماعيل عليه السلام:( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء:73]، أمر بها المرسلون أهليهم، قال الله عز وجل: ( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ )[مريم:55]، وقال الله عز وجل لنبيه: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) [طه:132].ويبلغ الاهتمام بالصلاة عند المرسلين، أن سليمان عليه السلام لما ألهته الخيل عن صلاته أمر بنحرها، ولذلك أثنى الله عز وجل عليه في كتابه وأعاضه عن الخيل بالريح المسخرة، فكان يقطع عليها من المسافة في يوم ما يقطع مثله على الخيل في شهر غدواً ورواحاً.أيها المتكاسلون عن الصلاة في وقتها! اسمعوا إلى قول الله عز وجل:( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا )[مريم:59-60]، الويل لمن هم عن صلاتهم ساهون، لمن يؤخرون الصلاة عن وقتها، لا يؤدونها جماعة حتى يخرج وقتها، حتى تطلع الشمس قبل صلاة الفجر، وحتى تصفر قبل صلاة العصر: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4-5].
 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
وأما الوصية الرابعة: فقال سبحانه حاكياً عن لقمان :( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ) [لقمان:17]، يوصي لقمان ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يربيه على حب الخير والدعوة إليه، وقد أثنى الله على هذه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]، فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتحقق الفلاح للآمر والمأمور، وتصان سفينة المجتمع من الغرق، هو علامة خير ودليل إيمان، وعلامة للغيرة على دين الله وحرماته، والذين يرون المنكرات تسري في المجتمعات فلا تتمعر وجوههم، أولئك في إيمانهم ضعف، فليتقوا الله، وليقولوا قولاً سديداً، فالكلمة الطيبة صدقة، ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم، ولئن اختص الله بهداية القبول والتوفيق نفسه، فهداية الدلالة والإرشاد بوسع البشر.
 الصبر على أقدار الله :
عباد الله! وأما الوصية الخامسة التي يوصي بها لقمان ابنه:( وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) [لقمان:17]، فيوصيه بالصبر على ما أصابه من أقدار الله المؤلمة، سواء كان ذلك في النفس، أو كان ذلك في المال، أو كان ذلك في الأهل، والصبر: هو حبس القلب والجوارح عما نهى الله عز وجل، فيحبس قلبه عن كراهة قضاء الله وقدره إذا وقعت أقدار الله المؤلمة، بل عليه أن يرضى ويسلم، ويحبس جوارحه -لسانه ويديه- عما نهى الله عز وجل عنه، فيحبس لسانه عن اللعن والشتم والسباب والطعن، ويحبس يديه عن الضرب وإتلاف المال، كما قال: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية).اللهم اجعلنا من المقيمين للصلاة، الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 التواضع.. والتحذير من الكبر:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين.عباد الله! وأما الوصية السادسة التي يوصى بها الأبناء: فقوله سبحانه: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان:18]، أي: لا تتكبر فتحتقر عباد الله، أو تعرض عنهم بوجهك إذا كلموك، ولا يظهر في مشيتك الكبر والخيلاء، وتذكر أن بدايتك من ماء مهين، وأنك مهما بلغت من الجاه، أو جمعت من المال فنهايتك إلى التراب.وحين ينهى لقمان ابنه عن التكبر والخيلاء في الهيئة أو المشية أو التعامل مع الناس وينهاه كذلك عن تعاظم النفس وغرورها وعجبها فهو يأمره بالاعتدال في مشيته والقصد في ذلك، قال الله عز وجل: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) [لقمان:19]، والمعنى امش مشياً مقتصداً، ليس بالبطيء المتماوت، ولا بالسريع المفرط، هي وسط بين مشية المرح والبطر والتكبر، ومشية التماوت والتباطؤ، فالمشية المحمودة وسط بين مشيتين مذمومتين، وعلى المربين أن يعوا هذه اللفتة التربوية، فيمنع ما يحرم، ويقدمون البديل الحلال، كما أن عليهم نزع الخلق المذموم قبل إعطاء البديل المحمود، فالتخلية قبل التحلية.
 خفض الصوت في الخطاب :
وأما الوصية الأخيرة: فيقول الله عز وجل حاكياً عن لقمان أنه وصى ابنه: (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) [لقمان:19]، والغض من الصوت فيه أدب وثقة في النفس، واطمئنان إلى صدق الحديث، وحين يقبح رفع الصوت ويستهجن إغلاظه، يضرب لذلك مثل تشمئز منه النفوس، إنه صوت الحمار:( إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:19]، فعلو صوت الحمار لم يحسنه، بل قبحه وشانه، ولذلك ينبغي أن يخفض العقلاء أصواتهم حين حديثهم، وما من شك أن الكلمة الطيبة تبلغ مبلغها، وينفع الله بها وإن كانت هادئة، والكلمة الخبيثة تسيء وإن بالغ أصحابها في رفع أصواتهم، وإذا عد في مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجالس الكرماء، أفيليق التشبه به برفع الصوت في النطق، ذلك توجيه ينبغي أن يعيه الآباء والأبناء.عباد الله! هذه وصايا نافعة جداً، وهي من قصص القرآن عن لقمان الحكيم رحمه الله تعالى، ليتمثلها الناس ويقتدوا بها كما قال ابن كثير رحمه الله.ألا ما أحوج الآباء والمربين والمعلمين إلى الوقوف عندها طويلاً لتفهمها، والعمل بمقتضاها، وتربية النشء عليها، نسأل الله ذلك بمنه وكرمه.اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم يا أرحم الراحمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين، اللهم يسر لهم قضاء نسكهم على الوجه الذي يرضيك عنهم، اللهم وردهم إلى بلادهم سالمين غانمين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:286].