mercredi 1 janvier 2014

قصة سيدنا داوود مع الملكين

التفسير المختصر - سورة ص (38) - الدرس (1-5) : تفسير الآيات 21 - 25
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1995-12-01

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين. أيُّها الإخوة الكرام، في سورة ص قِصَّتان، وهاتان القِصَّتان تُصَوِّران حالَتَين قد تُصيبَا المؤمن، فالحالة الأولى هو طُغيان عَمَلِهِ الصالِح على إقْبالهِ، والحالة الثانِيَة طُغيانُ إقْبالِهِ على العَمَل الصالِح، والحالة الكاملة أن يُوازِن بين اتِّصالِهِ بالله، وبين أعمالهِ الصالحَة، فلو أنَّ الإنسان أمْضى وَقْتَهُ في ذِكْر الله، وعِبادَتِهِ، ولم يعْمَل عملاً صالحًا، فهذا لا يرْقى عند الله تعالى، ولو أنَّ إنسانًا أمضى وقْتَهُ كلَّهُ في الأعمال الصالحة، ولم يعتني بِعِبادَتِهِ وذِكْرهِ، واتِّصالهِ بالله عز وجل، فهذا كذلك لا يرْقى عند الله تعالى، ففي الحالة الأولى نَقصُ العَمَل الصالِح يُضْعِفُ إقْبالَهُ على الله، وفي الحالة الثانِيَة نقْصُ عِبادَتِهِ يَحْجُبُه عن الله تعالى.
القِصَّة الأولى في هذه السورة، قوله تعالى:

﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)﴾
[سورة ص]
أرْسَلَ الله مَلَكَين إلى سيِّدنا داود، قال تعالى:"
﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)﴾
[سورة ص]
وبالمناسبة يقول الله عز وجل:
﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (23)﴾
[سورة ص]
اسْتَنْبَطَ العلماء أنَّ الذي يَبْغي على شَريكِهِ، أو على زوْجَتِه، أو على جارِهِ، أو على زميلِهِ، أنَّه ليس مؤمنًا، فَمِن لوازِمِ الإيمان الأنصاف والآية دقيقة جدًّا، قال تعالى
﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾
[سورة ص]
ورثَة أم زوْجة أو خِلَّة، أو مسافران في الطريق أحدهم يأخذ المحلّ المريح، والآخر يُبْقي له المحلّ غير المُريح، قال تعالى:
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾
قال تعالى:
﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)﴾
[سورة ص]
نعْجة وليس امرأة كما في الإسرائيليات، كلّ ما قيل في كُتب التَّفسير أخْذًا عن بني إسرائيل باطل لا أساس له، فهؤلاء يقولون عن هذا النبي الكريم كانت له تسْعٌ وتِسعون امرأة، وأحبَّ زوْجة قائِدِهِ فأرْسَلهُ إلى ساحات القِتال وقال: قدِّموه لِيأخذَ زوْجته مِن بعْدِهِ ‍‍‍!! هذا ليس مِن أخلاق النبي، وهذه قِصَّة لا أصْل لها، وباطلة.


أي كانت له تسْعٌ وتسْعون نعْجة، وقد أخذ نعْجَتي، فالمفروض لِسَيِّدنا داود أن يسْتَمِع للطَّرَف الآخر، فالطَّرف الآخر يقول: لي تسْعٌ وتسعون نعْجة أرْعاها، وأخي له نعْجة واحِدَة، فقلْتُ لأخي: أعْطِني هذه النَّعْجة لأرْعاها وأُريحك من رعْيِها ! فهو ما اسْتَمَع للطَّرف الثاني، قال تعالى:
﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾
[سورة ص]
ثمَّ بيَّن الله له أنَّ هذين ملَكَين جاءَا لِيَمْتَحِناكَ في الحُكْم، قال تعالى:
﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (23) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (24) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾

 فالله تعالى لا يُرْضيهِ أن تُهْمِلَ عِبادَهُ، فهل يُعْقل مِن عالمٍ خرجَ نُزْهة مع إخوانِهِ، أن يظلَّ مُعْتَكِفًا يذْكر الله تعالى ويَدع إخوانَهُ ؟! عليه أن يُرْشِدَهم وأن يعتني بهم، لذا هناك شيء هو اتِّصال بالله، وآخر عمل صالح، فإذا غلَبَ اتِّصالُكَ بالله كسيِّدِنا داود على عَمَلِكَ الصالِحَ تكون قد ترَكْتَ الأولى، عكْس سيِّدنا سليمان الذي أحبَّ فِعْل الخير عن ذِكْر الله عز وجل، فَغَلَبَ عليه العمل الصالح عن إتْقان عِبادَتِهِ، فهذان سُلوكان الأوْلَى أن يُوازِن بينهما الإنسان، الأوَّل يُمَثِّل غلبَة الاتِّصال بالله على الأعمال الصالِحَة، فهناك مَن يعتني بِقَلْبِهِ وأذكارِهِ والأوراد، ويُهمل خِدْمة الخلْق، وآخر مُهِمَّتُهُ خِدْمة الناس، صلواته غير مُتْقنة، وتلاوته للقرآن قليلة، فهذا ترك الأولى، لذا موضوع الدَّرْس اليوم هو: عليكَ أن تُوازِن بين الاتِّصال بالله عز وجل، والإحْسان إلى الخَلْق، ولا ينبغي أن يطْغى شيءٌ على حِساب شيءٍ آخر، وإنَّ لله عملاً بالليل لا يقْبلُهُ بالنَّهار، وإنَّ لله عملاً بالنَّهار لا يقْبلُهُ بالليل،
 فسيِّدُنا داود آثرَ رحمة الله على فضْله، وسيِّدُنا سليمان آثر فضل الله على رحْمته، وكلاهما ترَكَ الأولى ونحن نقْتَدي بالنبي عليه الصلاة والسلام، ونسْتفيد من هذه القِصَّة بأن نُوازِن بين الاتِّصال بالله، وبين خِدمة الخلق، فلا ينبغي أن تشْغَلَنا خِدْمة الخَلْق عن عِبادة الله عز وجل، وينبغي أن لا تشْغلَنا عبادة الله عن خِدْمة الخَلْق، ففي وقْت العمل رأى النبي عليه الصلاة والسلام شابًّا يقرأ القرآن فقال: مَن يُطْعِمُكَ ؟ فقال: أخي، فقال: أخوك أعْبَدُ مِنْك ! وإنَّ لله عملاً بالليل لا يقْبلُهُ بالنَّهار، وإنَّ لله عملاً بالنَّهار لا يقْبلُهُ بالليل وكان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فُرْسانًا بالنَّهار، رُهبانًا بالليل قال تعالى:
﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا(6)﴾
[سورة المزمل]

Aucun commentaire: