jeudi 23 janvier 2014

تفسير سورة هود (الآيات 32 -38 )

سورة هود (الآيات 32 -38 )  - تفسير السعدي

" قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين "

فلما رأوه, لا ينكف عما كان عليه من دعوتهم, ولم يدركوا منه مطلوبهم " قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " .
فما أجهلهم وأضلهم, حيث قالوا هذه المقالة, لنبيهم الناصح.
فهلا قالوا: إن كانوا صادقين: يا نوح قد نصحتنا, وأشفقت علينا, ودعوتنا إلى أمر, لم يتبين لنا, فنريد منك أن تبينه لنا.
لننقاد لك, وإلا فأنت مشكور في نصحك.
لكان هذا الجواب المنصف, للذي قد دعا إلى أمر خفي عليه.
ولكنهم في قولهم, كاذبون, وعلى نبيهم متجرئون.
ولم يردوا ما قاله بأدنى شبهة, فضلا عن أن يردوه بحجة.
ولهذا عدلوا - من جهلهم وظلمهم - إلى الاستعجال بالعذاب, وتعجيز الله.

" قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين "

ولهذا أجابهم نوح عليه السلام بقوله " إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ " أي: إن اقتضت مشيئته وحكمته, أن ينزله بكم, فعل ذلك.
" وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ " لله, وأنا ليس بيدي من الأمر شيء.

" ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون "

" وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ " .
أي: إن إرادة الله غالبة, فإنه إذا أراد أن يغويكم, لردكم الحق.
فلو حرصت غاية مجهودي, ونصحت لكم أتم النصح - وهو قد فعل عليه السلام - فليس ذلك بنافع لكم شيئا.
" هُوَ رَبُّكُمْ " يفعل بكم ما يشاء, ويحكم فيكم, بما يريد " وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " فيجازيكم بأعمالكم.

" أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون "

" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ " هذا الضمير محتمل أن يعود إلى نوح, كما كان السياق في قصته مع قومه, وأن المعنى: أن قومه يقولون: افترى على الله كذبا, وكذب بالوحي الذي يزعم أنه من الله, وأن الله أمره أن يقول " قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ " أي: كل عليه وزره " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " .
ويحتمل أن يكون عائدا إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وتكون هذه الآية معترضة, في أثناء قصة نوح وقومه, لأنها من الأمور التي لا يعلمها إلا الأنبياء.
فلما شرع الله في قصها على رسوله, وكانت من جملة الآيات الدالة على صدقه ورسالته, ذكر تكذيب قومه مع البيان التام فقال: " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ " أي.
هذا القرآن اختلقه محمد من تلقاء نفسه.
أي: فهذا من أعجب الأقوال وأبطلها, فإنهم يعلمون أنه لم يقرأ ولم يكتب, ولم يرحل عنهم لدراسة على أهل الكتاب, فجاء بهذا الكتاب, الذي تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله.
فإذا زعموا - مع هذا - أنه افتراه, علم أنهم معاندون, ولم يبق فائدة في حجاجهم.
بل اللائق في هذه الحال, الإعراض عنهم, ولهذا قال: " قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي " أي ذنبي وكذبي.
" وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ " أي: فلم تستلجون في تكذيبي.

" وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون "

وقوله: " وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ " أي: قد قسوا.
" فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " أي: فلا تحزن, ولا تبال بهم, وبأفعالهم.
فإن الله, قد مقتهم, وأحق عليهم عذابه الذي لا يرد.

" واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون "

" وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا " أي: بحفظنا, ومرأى منا, وعلى مرضاتنا.
" وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا " أي: لا تراجعني في إهلاكهم.
" إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ " أي: قد حق القول, ونفذ فيهم القدر.

" ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون "

فامتثل أمر ربه, وجعل يصنع الفلك " وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ " ورأوا ما يصنع " سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا " الآن " فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ "

Aucun commentaire: