mercredi 19 mars 2014

- الكبائر الباطنة - أذية أولياء الله

- الكبائر الباطنة - أذية أولياء الله
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. 

خطورة الكبائر الباطنة :
 أيها الأخوة الكرام، في الدرس الماضي كان الموضوع حول الكبائر الباطنة، وبينت في وقته أن خطورة الكبائر الباطنة أن الإنسان لا يتوب منها، بينما الكبائر الظاهرة صارخة، فإذا تاب منها نجا، أما الكبائر الباطنة فكبائر نفسية متداخلة مع الطباع، فإذا تلبست بإنسان أهلكته، ولعل قول الله عز وجل:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
[ سورة الشعراء : 88-89 ]
 أي قلب سلم من الكبائر الباطنة، وقد ذكرت لكم أن الخط العريض من المسلمين في الأعم الأغلب في بلاد الإسلام لا يسرقون، ولا يقتلون، ولا يشربون الخمر، ولا يزنون، لكن الذي أهلكهم الصغائر التي توهموها صغائر، فمع توهمهم أنها صغائر وأصرّوا عليها انقلبت إلى كبائر، ولعل في قول النبي عليه الصلاة والسلام:
((إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم ولكن رضي فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم))
                                                                                        [ورد في الأثر]
تلخيص لما سبق :
 الآن الدرس ليس عن الصغائر، كتعليق سريع من أدق ما يمكن أن يقال في هذا الموضوع أن أية معصية إذا رافقها شعور الخوف من الله، شعور بالندم، ورافقها استغفار، وإقلاع مباشر، وترقب، أي ذنب رافقته هذه الأحوال انقلب إلى صغيرة، وأية مخالفة إذا رافقتها إهمال، تبجح، افتخار، إذا استمرأها الإنسان، وأصرّ عليها، وأقام عليها، وافتخر بها، مهما يكن الذنب طفيفاً ينقلب إلى كبيرة، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))
[ رواه ابن المنذر والديلمي عن ابن عباس ]
 وقد ذكرت في الدرس الماضي أن من الكبائر الباطنة قسوة القلب، قلب لا يرحم ولا يعبأ بمن حوله، مصلحته يعبدها من دون الله، همه طعامه، وشرابه، وأسرته، وبيته، هذا نموذج كثير جداً في المسلمين لا يرحم، هذا الإنسان دون أن يدري وقع في كبيرة تحجبه عن الله، لأن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي:
(( إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي، والراحمون يرحمهم الله))
 وتحدثت أيضاً عن الكبائر الباطنة كالكبيرة أن تحب الفسقة والظالمين هذه من الكبائر، يوجد تناغم ومصالح مشتركة وقيم مشتركة، لا يمكن أن أحبّ إنساناً إلا على قدر كبير من القواسم المشتركة بيني و بينه.
 راقب نفسك قد تجلس مع إنسان عشر ساعات لا تشعر بالوقت أبداً، السبب؟ لأنك تحبه، ولماذا أحببته؟ لأن هناك قواسم مشتركة كثيرة جداً بينك وبينه، تصور إنساناً عفيف اللسان لو جلس مع إنسان وتحدث بطرفة جنسية قذرة، لا يستطيع أن يبقى معه ولا دقيقة، متى يكون الانسجام؟ عند كثرة القواسم المشتركة بين الطرفين، لذلك لماذا المؤمن يحب المؤمن؟ لوجود القواسم المشتركة كالعفة، وضبط اللسان، ومحبة الله، والخوف من الله، والانضباط، كلام كثرت القواسم المشتركة بينك وبين أخيك أحببته كثيراً، وأقمت معه ساعات طويلة دون أن تشعر بالوقت، وقد لا تستطيع أن تجلس مع إنسان دقيقة واحدة، لا يوجد شيء قد يجمعك معه، لذلك فيما ورد عن النبي: "رب أخ لك لم تلده أمك".

 
من الكبائر الباطنة أذية أولياء الله :
 - أذية أولياء الله، قبل كل شيء من هو الولي؟ يجب أن نفهم معنى الولي من خلال القرآن فقط، بالعقل الباطن عند عوام المسلمين يتصورون أن الولي إنسان ثيابه رثة، سائح بحب الله، لا يعمل عبئاً على الآخرين، هذا المفهوم خطأ مئة بالمئة.
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
                                                                           [ سورة يونس: 62-63 ]
 لمجرد أن تؤمن بالله، وأن تتقي أن تعصيه، فأنت ولي الله، هذا المعنى الدقيق، وينبغي أن يكون كل المؤمنين أولياء الله، كلمة ولي إنسان ترك الدنيا وزهد، أو توكل على الله، بالمفهوم الساذج تواكل، سيدنا عمر سئل من هو المتوكل؟ قال: الذي ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله، ولم يرد عن رسول الله إطلاقاً أنه دعا الله من دون عمل، كشأن المسلمين اليوم يا رب شتت شملهم، ودمرهم، وعليك بهم، فإنهم لا يعجزونك الله قال:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
                                                                              [ سورة الأنفال: 60]
 
من كان الله عليه فمن معه ؟
 وفي حديث آخر:
((إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
 أعلمته بالحرب، يا فلان سوف أحاربك، من؟ الله جل جلاله، دائماً هذه الآية تثير الحيرة.
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾
[ سورة التحريم: 4]
 على حفصة وعائشة.
﴿ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾
[ سورة التحريم: 4]
 معقول! امرأتان! الإله العظيم.
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾
[ سورة التحريم: 4]
 امرأتان انتقدتا النظام، استنفار القوى الجوية والبحرية والبرية معقول! قال العلماء: إذا أردت أن تعادي الحق اعلم من هو الطرف الآخر، إنه الله، وإذا كان الله عليك فمن معك؟ الله يقصم قصماً، هذا الذي اقترح أن تضرب الكعبة في موسم الحج انتقاماً من الهجمات على المركز التجاري قبل شهر فيما أعلم دخل لمشفى في أمريكا مشلولاً شللاً كاملاً!
((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ .... ))
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

افتقار الإنسان إلى الله :
 طبعاً بالمعنى الدقيق حينما قال الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ﴾
[ سورة فاطر: 15]
 هذا المعنى الدقيق نحن جميعاً مفتقرون إلى الله، إنسان معه مئات الملايين قطر شريانه التاجي مهم جداً، نمو خلاياه مهمة، سيولة الدم في عروقه مهم، فالإنسان تحت رحمة حالات دقيقة جداً لو اضطربت لكان الإنسان من الهالكين بلحظة تصدر النعوة.
 قال بعض العلماء: إن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصهم معلومة، إذا كان الإنسان ينتفع الناس به وأنت تظنه صالحاً في عقيدته وسلوكه لا تبحث ولا تنقل شيئاً لست واثقاً منه، حديث الإفك السيدة عائشة الزوجة الطاهرة النقية العالمة التقية اتهمت بأثمن ما تملكه امرأة هذا تعليم لنا، قد يتهم البريء وقد يكون الإنسان بريئاً ويتهم فأنت لا تتسرع:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
[ سورة الحجرات: 6]
 الكبيرة الرابعة أذية أولياء الله، والولي الذي آمن بالله، واتقى أن يعصيه، هذا ولي فقبل أن تتهم وتتجاوز وتوقع قوتك بإنسان ضعيف لكنه مؤمن انتبه هذه من أكبر الكبائر أن تؤذي أولياء الله.
والحمد لله رب العالمين

Aucun commentaire: