تفسير - سورة يوسف (12) - التوحيد
أيها الأخوة الكرام:
أسلوب التقرير، إذا قلت:
فبدل أن يقول الله عز وجل: فاعلم أنه لا إله إلا الله، بأسلوب مباشر، عبر عن هذه الحقيقة بأسلوب آخر، عن طريق قصة لها بداية، عقدة، نهاية، شخصيات، حوادث، حبكة، تحليل، حوار، سرد، وصف، هذه أطول قصة في القرآن الكريم، إذا قرأتها كلها تشعر في كل خلية في جسمك أنه لا إله إلا الله، أحياناً لما نقرأ تعبير مباشر تقريبي، كقولك:
لذلك الإنسان دائماً في عنده خطوط دفاع، إذا جاء الكلام التقريري المباشر خلاف قناعته يرفضه، لكن القصة تتغلغل وهو لا يشعر إلى أعماقه فتحدث قناعات جديدة، لم يكن ليقبلها لو جاءت بشكل مباشر.
لذلك الله عز وجل قال:
لذلك القصة تعد من أشد الوسائل التربوية فعاليةً، من أشدها تأثيراً، ذلك لقدرتها على التغلغل في أعماق الإنسان، ذلك لأنها تصف الإنسان وهو أقرب شيء للإنسان، تصف أخاه الإنسان في قوته، وفي ضعفه، في سموه، وفي انحطاطه، تصف المجتمع في تماسكه وتفككه، في رقيه وفي هبوطه، القصة وسيلة من وسائل الوصف والتحويل، والتصوير، والتغلغل في أعماق الإنسان، وتخطي خطوط دفاعه.
لذلك ليس عجباً ، مثلاً: الله عز وجل حينما يذكر قصة في القرآن الكريم ما أرادها أبداً قصة، أرادها حقيقة يعبر عنها بشكل قصة، فإذا فهمت القصةَ قصةٌ للمتعة وإملاء الوقت فأنت واهم.
أحياناً ربنا عز وجل يذكر القصة ويصل منها إلى القانون، قال سيدنا يونس
الله جل جلاله ما أرادها قصة، ما أرادها قصة وقعت ولن تقع بعد اليوم، أرادها قانوناً وقال:
سيدنا يوسف قال:
إذاً ماذا فعلوا أخوة يوسف ؟ وضعوه في البئر، في غيابت الجب ليموت.
ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السماوات والأرض، إلا جعلت من بين ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه.
إذاً قصة سيدنا يوسف يمكن أن تقع في كل زمان، وفي كل مكان، ومع أي مؤمن، مهما كان أعدائك أقوياء، كثر، أذكياء، بيدهم مقاليد، إذا كان الله معك، معك كل شيء.
إذاً هذه القصة شربة عسل، وكلمة فاعلم أنه لا إله إلا الله، لعقة عسل.
السؤال: هل ورد في هذه القصة مغزاها ؟ الكُتاب عادةً يكتبون القصة ويدعون للقارئ أن يستنبط مغزاها، لكن ربنا عز وجل لحرصه على عباده يذكر القصة وفي الأعم الأغلب يذكر مغزاها، ورد مغزى القصة ؟ الجواب ورد، في ثنياتها، قال:
سيدنا يوسف انتقل إلى رحمة الله من آلاف السنين، وهو عند الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، لا يستفيد أن نذكر قصته، لكن نحن وحدنا نستفيد إذا فهمنا هذه القصة فهماً عميقاً، فاليوم إطلالة عامة على القصة، لكن إن شاء الله بالدروس القادمة نعود إليها، ونستنبط بعض القوانين والحقائق منها.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:أيها الأخوة الكرام:
أسلوب التقرير، إذا قلت:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
أي لا مسير لهذا الكون إلا الله، لا معطي إلا
الله، لا مانع إلا الله، لا رافع إلا الله، لا خافض إلا الله، لا معز إلا
الله، لا مذل إلا الله، هذا معنى التوحيد، ربنا عز وجل قال في آيات كثيرة.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾
وقال تعالى:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
ولكن كلمة لا إله إلا الله، كلمة التوحيد في
قصة يوسف تأتي بأسلوب آخر، تأتي على شكل قصة، أخوة يوسف أقوياء، أشداء،
اجتمعوا، اتفقوا، قرروا أن يضعوا أخاهم في غيابت الجب، هذه مشيئتهم، ولكن
مشيئة الله تقتضي أن يكون هذا الطفل الصغير، الضعيف، نبياً كريماً، وعزيز
مصر، يتسلم قمة المكانة الاجتماعية والسياسية.فبدل أن يقول الله عز وجل: فاعلم أنه لا إله إلا الله، بأسلوب مباشر، عبر عن هذه الحقيقة بأسلوب آخر، عن طريق قصة لها بداية، عقدة، نهاية، شخصيات، حوادث، حبكة، تحليل، حوار، سرد، وصف، هذه أطول قصة في القرآن الكريم، إذا قرأتها كلها تشعر في كل خلية في جسمك أنه لا إله إلا الله، أحياناً لما نقرأ تعبير مباشر تقريبي، كقولك:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
هذه لعقة عسل مكثفة، أما حينما تذيب هذه
اللعقة في كأس ماء وتحركه وتشربه، القصة شربة عسل، التعبير التقريري، لعقة
عسل، أما التعبير التصويري الفني، شربة عسل.لذلك الإنسان دائماً في عنده خطوط دفاع، إذا جاء الكلام التقريري المباشر خلاف قناعته يرفضه، لكن القصة تتغلغل وهو لا يشعر إلى أعماقه فتحدث قناعات جديدة، لم يكن ليقبلها لو جاءت بشكل مباشر.
لذلك الله عز وجل قال:
﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾
يعني قصة، أسلوب راقي جداً، فعال جداً، مؤثر جداً، يتغلغل في أعماق الإنسان، ويحدث قناعات جديدة لم تكن من قبل، لأنه قصة.لذلك القصة تعد من أشد الوسائل التربوية فعاليةً، من أشدها تأثيراً، ذلك لقدرتها على التغلغل في أعماق الإنسان، ذلك لأنها تصف الإنسان وهو أقرب شيء للإنسان، تصف أخاه الإنسان في قوته، وفي ضعفه، في سموه، وفي انحطاطه، تصف المجتمع في تماسكه وتفككه، في رقيه وفي هبوطه، القصة وسيلة من وسائل الوصف والتحويل، والتصوير، والتغلغل في أعماق الإنسان، وتخطي خطوط دفاعه.
لذلك ليس عجباً ، مثلاً: الله عز وجل حينما يذكر قصة في القرآن الكريم ما أرادها أبداً قصة، أرادها حقيقة يعبر عنها بشكل قصة، فإذا فهمت القصةَ قصةٌ للمتعة وإملاء الوقت فأنت واهم.
أحياناً ربنا عز وجل يذكر القصة ويصل منها إلى القانون، قال سيدنا يونس
﴿: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) ﴾
وهو في بطن الحوت، بعد أن التقمه الحوت في ظلمات ثلاث، في ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر.
﴿
فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ
إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ
مِنَ الْغَمِّ ﴾
القصة انتهت.الله جل جلاله ما أرادها قصة، ما أرادها قصة وقعت ولن تقع بعد اليوم، أرادها قانوناً وقال:
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾
في أي عصر، في أي مكان، أي زمان، أي مؤمن، غني، فقير، أبيض، أسود، ريفي، مدني، في عصور قديمة، في عصور حديثة، أي مؤمن.
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾
فيا أيها الأخوة الكرام إذا قرأتم القصة في
القرآن ينبغي أن تبتعدوا عن أن تفهموها قصة، إنها حقيقة، لكن جاء التعبير
عنها بشكل قصة، ما أرادها الله قصة، أرادها قانوناً.سيدنا يوسف قال:
﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾
ماذا قال بعد ذلك ؟
﴿رَأَيْتُهُمْ﴾
يجب أن يقول رأيتها، كل شيء لا يعقل يجمع جمع
مؤنث سالم، أنت تقول رأيت النوافذ رأيتهم ؟ أنت باللغة العربية، الأبواب
رأيتهم ؟ هي هم للعاقل، الأبواب رأيتها جيدة، المراوح رأيتها تعمل، كل جمع
غير عاقل يجمع جمع مؤنث، هون.
﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ﴾
معناها ليست الشمس شمساً، ولا القمر قمراً، ولا الكواكب كواكب إنها أمه، وأبوه، وأخوته.
﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)﴾
فلما دخلوا على يوسف، هذا السجود ليس سجود العبادة، لكن سجود التقدير، والخضوع، هكذا قال العلماء.إذاً ماذا فعلوا أخوة يوسف ؟ وضعوه في البئر، في غيابت الجب ليموت.
﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾
يعني: إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك.ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السماوات والأرض، إلا جعلت من بين ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه.
إذاً قصة سيدنا يوسف يمكن أن تقع في كل زمان، وفي كل مكان، ومع أي مؤمن، مهما كان أعدائك أقوياء، كثر، أذكياء، بيدهم مقاليد، إذا كان الله معك، معك كل شيء.
إذاً هذه القصة شربة عسل، وكلمة فاعلم أنه لا إله إلا الله، لعقة عسل.
السؤال: هل ورد في هذه القصة مغزاها ؟ الكُتاب عادةً يكتبون القصة ويدعون للقارئ أن يستنبط مغزاها، لكن ربنا عز وجل لحرصه على عباده يذكر القصة وفي الأعم الأغلب يذكر مغزاها، ورد مغزى القصة ؟ الجواب ورد، في ثنياتها، قال:
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
أمره هو النافذ، مشيئته هي النافذة، ما شاء الله هو كان، وما لم يشاء لم يكن.
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾
إذا أراد الله شيئاً وقع، وإذا وقع الشيء فقد
أراده الله، هذا التوحيد، على كلٍ لنا مع هذه القصة وقفات متأنية إن شاء
الله في الدروس القادمة، والذي أرجوه أن نفهم القصة فهماً عميقاً، وأن
نستنبط منها الحقائق، والدقائق، والمواعظ، والعبر، والقوانين، ومعالم
الطريق، حتى تكون القصة قرآن، قرآن يتلى إلى يوم القيامة. سيدنا يوسف انتقل إلى رحمة الله من آلاف السنين، وهو عند الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، لا يستفيد أن نذكر قصته، لكن نحن وحدنا نستفيد إذا فهمنا هذه القصة فهماً عميقاً، فاليوم إطلالة عامة على القصة، لكن إن شاء الله بالدروس القادمة نعود إليها، ونستنبط بعض القوانين والحقائق منها.
والحمد لله رب العالمين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire