تفسير- سورة ق (50) : تفسير الآيات 39 - 43
أيُّها الإخوة الكرام، الآيات التاسعة والثلاثون، والأربعون والواحد والأربعون من سورة ق، وهي قوله تعالى:
ربُّنا عز وجل يأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يصْبِر، فلأنْ نصْبِرَ نحن من باب أولى، قال تعالى:
قال تعالى:
قال تعالى
أيها الإخوة الكرام، كلّ الذي أرجوه من الله عز وجل أن لا نصِلَ مع الله تعالى إلى طريق مسدود، وأنت الآن في بحبوحة، فما عليك إلا بالتوبة وتأدِيَة ما عليك من حقوق وواجِبات، ذِمَم، واطْلُب السَّماح مِمَّن نهَشْتَ عِرْضَهُ، ومِمَّن اغْتَبْتَهُ، أنت الآن في بحبوحة الحياة الدنيا، ولكن إيّاك أن تصل مع الله إلى طريق مسدود، قال تعالى:
أحد الإخوة خبَّرني بِمَوت هذا أحد الإخوة، فقلتُ أزورهُ في البيت قبل أخذه إلى المقبرة فذَهَبتُ ورأيتُهُ، والله أيها الإخوة كأنَّه واحدٌ من الجلوس جالسٌ معنا ! هذا الأخ كن يقول لي: إن كان هناك أخ فقير اِبْعَثه لي كي أُقْرِضَهُ !! وأنا هناك تذكَّرتُ عملهُ الصالح ! فكُلٌّ مِنَّا يلقى عمله الصالح.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما
ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً
وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن
يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.أيُّها الإخوة الكرام، الآيات التاسعة والثلاثون، والأربعون والواحد والأربعون من سورة ق، وهي قوله تعالى:
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾
دائمًا الكافر يتطاوَل، ويُجَرِّح، ويتَّهِم،
ويسْخَر، ويُكَذِّب ؛ هذا شأنُ الكافر، ومنذ خلق الله السماوات والأرض إلى
يوم القيامة، معركة الكُفر والإيمان معركةٌ قديمة ومستمرَّة، فالكافر هو
الكافر، والمؤمن هو المؤمن.ربُّنا عز وجل يأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يصْبِر، فلأنْ نصْبِرَ نحن من باب أولى، قال تعالى:
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾
وأنت في أعلى درجات الإخلاص، تُتَّهَم أنَّ
لكَ غرضًا من هذه الدَّعوة وأنت في أعلى درجات الصِّدق، تُتَّهَم بالكذب،
وأنت في أعلى درجات الأمانة تُتَّهم بالخيانة، فَمِن علامات آخر الزَّمان
أن يُصَدَّق الكاذب ويُكَذَّب الصادق، وأن يُؤْتَمَن الخان، ويُخَوَّن
الأمين، قال تعالى:
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾
كلّ ما يستطيع أن يفْعَلَهُ أهل الكُفْر أن
ينالوكم بِألْسِنتهم، أما أفعالهم فهي بيَدِ الله عز وجل، لن يصِلوا إليكم
لأنَّ الله تعالى يُدافِعُ عنكم، وقد يسأل سائلٌ: ربُّنا سبحانه وتعالى
أثبتَ في القرآن الكريم كلَّ التُّهَم التي اتُّهِمَ بها النبي عليه الصلاة
والسلام مِن قِبَلِ كُفَّار مكَّة، قد يقول أحدنا: يا ربّ هؤلاء قالوا
عنه عليه الصلاة والسلام: مَجنون ! وقالوا عنه: ساحر وقالوا عنه: شاعر،
فلماذا ثبَّتَّ يا ربّ هذه التُّهم في القرآن الكريم ؟ وهو يُتْلى إلى يوم
القيامة ! فلو أنّ أحدًا سبَّ الآخر نُسَجِّل هذا السُّباب في كتاب
ونُوَزِّعُهُ في كلّ أنحاء العالم ! فلماذا أثبَتَ الله التُّهم التي
اتُّهِمَ بها النبي مِن قبل الأعداء ؟ قال تعالى:
﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ(52)﴾
ووصَفوه أنَّه كاهن أو شاعر، ووصفوه بأنَّه مجنون ! قال تعالى:
﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2)﴾
فالله تعالى أثْبَتَ هذه التُّهَم في كتابه
الكريم لِيَكون لنا أُسوةً حسنة وتَسْليةً لنا إذا اتُّهمنا، يُرْوَى أنَّ
سيّدنا موسى عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والتسليم يُناجي ربَّه فقال: يا
ربّ لا تُبقي لي عَدُوًّا قال يا موسى هذه ليْسَت لي !! ألَيس هناك أعداء
لله عز وجل، هناك أعداء كثيرون يتَّهِمون الله عز وجل بالظُّلم، قال تعالى:
﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ
غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ
يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا
أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي
الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(64)﴾
وقال تعالى
﴿ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ
سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(181)﴾
هذا كلام اليهود والمؤمن يمضي إلى هدفِهِ، ولا يصْغي إلى أحد، قال تعالى:
﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا
لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ
يَعْمَهُونَ(110)﴾
المؤمن كلَّما تمرَّس بالإيمان لا يعبأ بِقَول
أهل الباطل، ولا يُقيمُ وزْنًا لِتُهَمِهِم، ولا لِتَعليقاتهم، ولا
لِسُخريَّاتهم، قال تعالى:
﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ
مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا
فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ(38)﴾
قال تعالى:
﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ(104)﴾
قال تعالى:
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115)﴾
وفي آيةٍ أخرى قال تعالى:
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34)﴾
أيها الإخوة الكرام، البُطولة مَن يضْحَكُ آخر
الأمْر، ومن يضْحكُ في النَّهايَة، لا في البِدايَة، فَوَطِّنْ نفْسَكَ
إذا اسْتَقَمْتَ على أمْر الله تعالى سَتُتَّهَم بالتَّزمُّت، والعقليَّة
الغيبيَّة، وبالقَوْقَعَة، وتُتّهَم بالجمود، والبُعد عن العَصر فهذه
كُلُّها تُهَم قائمةٌ، ونحْفظها غَيْبًا.قال تعالى:
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾
فلو كنتَ تأكلُ أكلة من أرقى مستوى وقال لك أحدهم: هذا طعامٌ سيئ ! أنت تأكل وتستمتع، دَقِّقوا في هذه الآية، قال تعالى:
﴿قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ
أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا
الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88)﴾
الأمور واضِحة، والهدف واضِح، ويقيني بالله
قويّ، وكأنَّني أرى أهل الجنَّة في الجنَّة يتنعَّمون، وأهل النار في النار
يتعذَّبون، قال تعالى:
﴿ قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ
عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ(28)﴾
أنت على بيِّنة، وفي قلبِكَ رحمة وأنت على
بيِّنة وفي قلبِكَ تَجَلِّي، وأنت على بيِّنة، وفي قلبِكَ نورٌ، وأنت على
بيِّنة وفي قلبِكَ أمنٌ ومرتاح ومطمئنّ إلى حُكم الله تعالى، وراضٍ بما
قسَمَهُ الله لك، وتشْعرُ أنَّ أمْرَكَ بيَدِ الله وحْدهُ، وأنَّ الأمّة لو
اجْتَمَعَت على أن ينفعوك بِشَيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبهُ الله لك،
وأنهم لو اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لم يضرُّوك إلا بشيء قد كتبهُ الله
عليك قال تعالى:
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ﴾
هذه هي البيِّنة، قال تعالى:
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)﴾
فَهِمَ النبي عليه الصلاة والسلام من هذه
الآيات الصلوات الخمس، والتَّسبيح هو التَّنزيه والتَّمجيد، والتسبيح
الخُضوع، وكلَّما قرأتَ في كتاب الله: فسبِّح بِحَمد ربِّك ؛ اِفْهَم
المعاني الثلاث، فلا بدّ من أن تُنَزِّه الله على كلّ ما لا يليق به، ولا
بدّ من أن تجول جولات وجولات في كمالات الله عز وجل ؛ في رحمته، وفي عِلمه،
وفي قدرتِهِ، وفي لُطفِهِ، وفي حِكمته وفي رأْفَتِهِ، وفي عَدلِهِ، هذا
هو التَّسبيح أن تُنَزِّه وأن تُمَجِّد، وما قيمة التَّنزيه والتَّمجيد إن
لم تخْضَع، قال تعالى:
﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)﴾
((ابن آدم لا تعْجز عن ركعتين قبل الشَّمس أكْفِكَ
النَّهار كلّه ! فعن جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ
فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ
بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ * ))
إن أردْتَ أن تأخذ ضمانةً من الله بِيَوم وليلةٍ فصَلِّ الفجر والعشاء في جماعة، وقال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي
النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ
يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي
التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي
الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا * ))
وهذه أوقات الرَّحمات.قال تعالى
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)﴾
أي بعد أن تُصَلِّي قل: الحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه قال تعالى:
﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)﴾
والله أيها الإخوة لا يُسَمَّى العاقل عاقلاً إلا إذا أعدَّ لهذه الساعة الحَرِجَة، قال تعالى:
﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ(9)﴾
تصوَّر إنسانًا مجرمًا، يأخذ الأموال ويُنفقها
على ملذَّاته، وشَهَواته وفي النوادي الليليَّة، وعلى السَّهرات الحمراء
وخضراء، ثمَّ أُلْقِيَ القبض عليه وسيق إلى السِّجن وحوكِمَ، وحُكِمَ عليه
بالإعدام ! هذا اليوم عسير فهذا المجرم وصَل مع المجتمع إلى طريق مسدود،
حينما تُصدِّقهُ محكمة النَّقد وحينما يُرْفع إلى رئاسة الجمهوريَّة،
ويُصَدَّق، ويُساق هذا المُجرم لِيُشْنَق قبل أن يُشْنق إن أحبَّ أن يضْحك
فلْيَضْحك، ولكن لا بدّ أن يُشْنق، وإن أحبّ أن يبكي فلْيبكي فلا بدّ من
الشَّنق، وإن أحبَّ أن يسْتعطِف فلْيسْتَعطِف فلا بدّ من الشَّنق ؛ هذا
اسمهُ الطريق المسدود.أيها الإخوة الكرام، كلّ الذي أرجوه من الله عز وجل أن لا نصِلَ مع الله تعالى إلى طريق مسدود، وأنت الآن في بحبوحة، فما عليك إلا بالتوبة وتأدِيَة ما عليك من حقوق وواجِبات، ذِمَم، واطْلُب السَّماح مِمَّن نهَشْتَ عِرْضَهُ، ومِمَّن اغْتَبْتَهُ، أنت الآن في بحبوحة الحياة الدنيا، ولكن إيّاك أن تصل مع الله إلى طريق مسدود، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)﴾
كلّ عملٍ عمِلْتَهُ في الدُّنيا سيُعْرضُ عليك، قال تعالى:
﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا(14)﴾
والله أيها الإخوة لِشدَّة ما أسْتَمِع حول
طغيان الناس وأكلهم المال الحرام وحول عُدوانهم على بعضهم بعضًا ولو على
مستوى النَّظر والحديث والاستمتاع كأنَّهم ليْسُوا مسلمين، وكأنَّهم لن
يموتوا، ولن يُحاسبوا، مع أنَّ كلّ شيءٍ له حِساب دقيق، قال تعالى:
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)﴾
قبل أن تأخذ، وأقبل أن تعطي، وقبل أن تعطي
وقبل أن تمْنَع، وقبل أن تغضب، هل هيَّأْتَ لله تعالى جوابًا الإنسان
أحيانًا يهيئ مليون جواب لِواحد قويّ، لماذا قلتَ كذا ؟ هذه سُجِّلَت عليك،
ولماذا ذَهَبْتَ إلى المكان الفلاني ؟ فالواحِد مع الإنسان القويّ يهيئ
ألف جواب، فكيف مع الذي لا يخفى عليه خافيَة ؟ قال تعالى:
﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ
يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا
الْمَصِيرُ (43)﴾
- الإنسان حينما يُدْفنُ في قبرِهِ أوَّل ليلة
يُناديه منادي أنْ عبدي قد رجعوا وتركوك، وفي التراب دَفَنوك، ولو بقوا مع
ما نفعوك، ولم يبْقَ لك إلا أنا وأنا الحيّ الذي لا يموت ! هل يستطيع
واحِدٌ مِنَّا أن ينْفذ من القبر ؟! ما الذي يُؤنِسُ في القبر ؟ العمل
الصالح واستقامته هذا الذي يُؤنسُ في القبر يا قُييْس إنَّ لك قرينًا
يُدْفنُ معك وأنت ميِّت وتُدفنُ معه وهو حيّ، إن كان كريمًا أكرمك، وإن كان
لئيمًا أسْلمَك ألا وهو عملك ! أحد الإخوة خبَّرني بِمَوت هذا أحد الإخوة، فقلتُ أزورهُ في البيت قبل أخذه إلى المقبرة فذَهَبتُ ورأيتُهُ، والله أيها الإخوة كأنَّه واحدٌ من الجلوس جالسٌ معنا ! هذا الأخ كن يقول لي: إن كان هناك أخ فقير اِبْعَثه لي كي أُقْرِضَهُ !! وأنا هناك تذكَّرتُ عملهُ الصالح ! فكُلٌّ مِنَّا يلقى عمله الصالح.
والحمد لله رب العالمين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire