samedi 1 mars 2014

مضي الوقت

مضي الوقت وحده يستهلك الإنسان:
 أيها الأخوة الكرام، لذلك الله عز وجل أقسم بالعصر، بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن، فقال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) ﴾
( سورة العصر )
 جواب القسم:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾
( سورة العصر )
 أي مضي الوقت وحده يستهلك الإنسان، هناك بناء بأرقى أحياء دمشق، البيت الواحد ثمنه مئة وثمانون مليوناً فما فوق، الشيء الذي لا يصدق أن كل من اشترى بيتاً في هذا البناء لم يسكنه مات قبل أن يسكنه إلا واحداً أتيح له أن يغسل فيه فقط، موعظة.
كنت مرة في حلب أطلعوني على حي اسمه حي الشهباء في أرقى أبنية حلب، أبنية بمئات الملايين، أشير إلى بناء على النمط الصيني جميل جداً، صاحبه توفي في الثانية والأربعين، وكان مديد القامة، ولحكمة أرادها الله القبر الذي سيدفن فيه كان أقصر من قامته فلما وضعه الحفار في القبر دفعه من صدره فصار شكله قائماً، أين القصر ؟ تركه ومشى.
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والـــجبروت
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزل الـــــقبر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *
 الإيمان بالله و العمل الصالح و التواصي بالحق و الصبر من أركان النجاة الأساسية:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾
( سورة العصر )
 هذا جواب القسم، خسر لأن مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان، قوي، ضعيف، غني، فقير، وسيم، دميم، ذكي، محدود، صحيح، مريض، هذا الإنسان بأي حال الوقت يستهلكه وهناك موت، الخسارة محققة، ماذا نفعل يا رب ؟ جاء الجواب الإلهي:
﴿ وَالْعَصْر (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
( سورة العصر )
 سماها الإمام الشافعي أركان النجاة، مثل للتقريب، طالب في مرحلة التخرج، وهناك مادة أساسية جداً وهي آخر مادة، فإذا نجح نال شهادة عليا، وهناك وزارة تنتظره ليكون موظفاً كبيراً فيها، ومع هذه الوظيفة الكبيرة دخل كبير، ومع هذا الدخل الكبير خلال سنوات سابقاً يشتري بيتاً وبعدها يخطب فتاة، أي على نجاحه بهذه المادة وعلى نيل الشهادة سيبنى وظيفته، ودخله، وبيته، وزواجه، فملأ حوض الحمام ماء فاتراً، وجلس واسترخى، هل ينجح ؟ هل يأخذ الليسانس ؟ لكن الماء رائع جداً، ماء فاتر، ريح أعصابه، هذا العمل ليس له أثر مستقبلي، استهلاكي، وهذا شأن الناس جميعاً، يأكلون، يشربون، يتابعون الأخبار، لهم تعليقات رائعة وكأنهم فوق البشر، ثم يأكلون وينامون، ويستيقظون صباحاً ليذهبوا إلى العمل، يأتي الظهر يأكلون ثم ينامون بعد الظهر، هكذا حتى يحس بنخزة بقلبه، ثم إلى العناية المشددة، ثم تظهر نعوته، هل يوجد غير هذا ؟
إنفاق الوقت استهلاكاً أو استثماراً:
 هذا الذي يستهلك الوقت لا يستثمره، هذا الوقت هو أنت، هذا الوقت رأسمالك الوحيد، هذا الوقت أثمن ما تملك، إما أن تنفقه استهلاكاً، يأكلون ويشربون ويتمتعون كما تتمتع الأنعام والنار مثوى لهم:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) ﴾
( سورة محمد)
 أو أن تستثمره فتؤمن بالله، كيف تؤمن ؟ أنت بحاجة إلى درس علم، مكان العلم في الجامع، تأتي إلى المسجد هناك درس تفسير، درس فقه، درس حديث، درس عقيدة، درس إيمان، خطبة، ابنك يحفظ القرآن في معهد شرعي:
﴿ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾
( سورة الفتح الآية: 29 )
 تنفق من مالك، تربي أولادك، تصل جيرانك، تطعم المساكين:
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
( سورة العصر ).
 سمعت خطبة رائعة جداً أخذت شريطاً تسمعها لأخيك، تسمعها لابن عمك، كله له أجر:
(( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ))
[ الترمذي عن زر بن حبيش]
 أنت بدوما والدرس بعد ساعتين، هيأت نفسك تتوضأ، ثم تركب أول باص والثاني والثالث، لتأتي إلى الجامع، ثم صليت المغرب، سمعت الدرس، صليت العشاء ورجعت، هذا طريق الجنة والدليل:
(( من سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ))
[ رواه الترمذي عن أبي هريرة ]
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
( سورة العصر )
 لا تصدق مؤمناً ليس له عمل صالح.

والحمد لله رب العالمين 
 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي

Aucun commentaire: