jeudi 13 mars 2014

من اسماء الله الحسنى : اسم الله البر .

 - اسماء الله الحسنى : اسم الله البر .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
 مع الاسم الواحد والسبعين من دروس أسماء الله الحُسنى، والاسم هو اسم البَرّ.. البَرُّ اسمٌ من أسماء الله الحُسنى ورد في الأحاديث الشريفة التي أُدرجت فيها أسماء الله تعالى.
 والبرُّ.. هذه الكلمة باؤها مثلَّثة.. ومعنى ذلك أي أنَّ هناك بَرٌ، وبُرٌ، وبِر، فالبُرُّ هو القمح.. والبِرُّ هو الإحسان.. والبَرُّ هو اليابسة في الأصل، أما البَرّ إذا كان إسماً من أسماء الله الحُسنى هو بالفتح، أي فاعل البِرّ، والبِرّ هو الإحسان، أي المحسن فقد قال تعالى:

﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)﴾
(سورة الطور)
 أي هو المحسن.
 البِرُّ هو الصِلة، والمعروف هو الخير، المبالغة في الإحسان، البَرُّ هو المُحسن، فلان ٌ بارٌ بأبويه إذا كان محسناً لهما، البَرُّ من الخلق من تتوالى منه أعمال البِرّ، فهناك مبالغة فمن تتوالى منه أعمال البِر من الخلق يسمَّى براً، أما إذا كان هذا الإسم منسوباً إلى الله عزَّ وجلَّ فالبرُّ هو مطلق الإحسان.
 البِرِّ بالكسر.. الصلة والإحسان، فلان يبَرُّ والديه أي يصلهما بإحسانه، وفلان يبَرُّ رحمه أي يصلهم، والصلة العطاء مع اتصال، عطاء مع زيارة، والله جلَّ جلاله يقول:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)﴾
(سورة الممتحنة)
 هذه الآية أيُّها الإخوة القراء دقيقة المعنى جداً، قد تلتقي في عملك وفي محيطك، وقد تلتقي مع أقربائك بنماذج لا يُناصبونك العِداء، ولا ينكرون عليك تديُّنك، بل إنَّهم أضعف من أن يتمسَّكوا بما أنت عليه، هؤلاء يُقدِّرونك لكنهم ليسوا ملتزمين، لم يصطلحوا مع الله بعد، لم يقبلوا عليه ليسوا ملتزمين لكنَّهم لا يُناصبونك العداء، بل يقدِّرون فيك هذا الاتجاه الطيِّب، هذا التديُّن الصادق، مثل هذه النماذج من الناس فمن الجريمة أن تُسيء إليهم، هؤلاء يقدِّرون منصفون، يتمنَّوْن، وهم غير ملتزمين، فلا تعنِّفهم، لا تناصبهم العِداء بل أمِل قلوبهم نحوك استمل قلوبهم إليك، لقوله تعالى:
﴿ لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
 أن تبَرُّهم أي أن تُحسنوا إليهم، فإذا لم يكن يصلّي ولكنه لا يُعاديك، أنت إن أحسنت إليه حملته على الصلاة، أنت إن أحسنت إليه حملته على حضور مجلس علم، أنت إن أحسنت إليه حملته على الطاعة.
 لذلك من الحُمق الشديد أن تجد إنساناً غير ملتزم لكنَّه لا يعاديك ويقدِّر فيك تدُّينك، يكبر فيك استقامتك لكنَّه لم يصطلح بعد مع الله، هذا النموذج ينبغي أن تُحسن إليه، وينبغي أن ترعاه، ينبغي أن تُمِدَّ إليه يد المساعدة، ينبغي أن يرى فيك تواضُعاً، وانفتاحاً وإحساناً لأنَّه قد ورد في الحديث القدسي: أن يا داوود ذكِّر عبادي بإحساني إليهم فإنَّ النفوس جُبِلت على حبِّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها.


  خير الدنيا والآخرة منطو بكلمة البر.. فقد قال تعالى:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
 عليكم بالصدق، فإنَّ الصدق يهدي إلى البر، وأرقى أنواع الصدق أن تكون صادقاً مع الله، ثم يلي ذلك أن تكون صادقاً مع نفسك، ثم يلي ذلك أن تكون صادقاً مع الناس.
 أن تكون صادقاً مع الله.. فأنَّك إذا عاهدَّته على التوبة ألا تنتكس بعد التوبة، وإذا عاهدَّته على الطاعة ألا تعصيه بعد العهد، وإذا قبَّلت الحجر الأسود وفاوضَّته وزرفت عنده الدموع، وعاهدته وقتها ألا تعصيه في بلدك، الصدق أن تنفِّذ هذا العهد.
 إنَّ الصدق يهدي إلى البر... أي إلى الصلاح، إلى خير الدنيا، إلى خيري الدنيا والآخرة، إلى الخير المطلق.
 قال العلماء: زمزم هذا النبع الذي تفضَّل الله به على السيِّدة هاجر وعلى المسلمين من بعد ذلك، يسمَّى هذا النبع برَّةً.. لكثرة منافعها وكثرة مائها وسعة خيراتها.
 البَر أبلغ من البار.. نقول مثلاً علاَّمةٌ وعالم، العلاَّمة أبلغ، البر أبلغ من البار وإن كانا بمعنى واحد وهو المحسن، فلو قلنا: فلان بارٌ بوالديه. وأما إذا قلنا: فلان بَرّ أي تتالى بِرُّه، وتوالى إحسانه، وكثر عطاؤه، وكثر خيره وطاب، البر أبلغ من البار.
 أما البرُّ في حقِّه تعالى فهو فاعلُ البِرِّ والإحسان، يحسن إلى عباده بالخير، فالله عزَّ وجلَّ لماذا خلق الخلق ؟ خلقهم ليسعدهم، خلقهم ليحسن إليهم، خلقهم ليكرمهم، أصل الخلق إحسان، ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: إني والإنس والجنَّ في نبإٍ عظيم.. أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويشكر سواي.
 مشروع الكون كلِّه هدفه الإحسان فقد قال تعالى:
﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾
(سورة هود)
 فالبَرُّ.. في حقِّه تعالى أي فاعل البِرِّ والإحسان، يحسن إلى عباده بالخير.

  وكذلك الله سبحانه وتعالى يكشف لعبده المؤمن يوم القيامة عن كلِّ شيءٍ ساقه له في الدنيا من متاعب، لا شكَّ أنَّ هذا الإنسان يذوب من شدَّة الامتنان إلى الله عزَّ وجلَّ.

﴿ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾
 لا أريد أن أطيل في هذا الموضوع لكن كل مسلم يعلم لولا أنَّ الله تداركه باللطف، وبالتأديب أحياناً، وبالتخويف أحياناً، أحياناً مرضٌ يبدو أنَّه عُضال، أحياناً فقرٌ مدقع، أحياناً إنسانٌ قاهر يُضَيِّق عليه هذه كلُّها تضيقاتٌ تنطوي على الرحمة ويؤكِّد هذا قول الله عزَّ وجلَّ:
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)﴾
(سورة الأنعام)
 قيل: البَر.. هو الذي لا يصدر عنه القبيح. وهذا التعريف سلبي، فالبر لا يمكن أن يصدر عنه شيءٌ قبيح.
 وقد ذكر الإمام الرازي أقوالاً: " البر.. هو الذي منَّ على المريدين بكشف طريقه وعلى العابدين بفضله وتوفيقه ".
أي أنّ عابداً منَّ الله عليه بقبول العبادة، سالك إلى الله يسَّر له الطريق إلى الله، وأنّ إنسانًا أراد الإحسان مكَّنه من الإحسان، البر المحسن يعطي كُلاً سؤله فقد قال تعالى:
﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20)﴾
(سورة الإسراء)
 قيل: " البَر.. هو الذي منَّ على السائلين بحسن عطائه، وعلى العابدين بجميل جزائه.
 وقيل: " البَر.. الذي لا يقطع الإحسان بسبب العصيان ".
 إذا قال العبد: يا ربِّ وهو راكع. قال له الله: لبيك يا عبدي فإذا قال: يا ربِّ وهو ساجد. قال له: لبَّيك يا عبدي. فإذا قال: يا ربِّ وهو عاصٍ. قال الله له: لبَّيك ثم لبَّيك ثم لبَّيك.
 وأنت حينما ترى أمًا لها ابنٌ شارد عنها بعيد، ولها أولاد بَررة معها دائماً، كلُّ قلبها مع الشارد، كلُّ تعلُّقها مع الشارد، فإذا عاد هذا الشارد إليها فيوم عودته عيد عندها، لذلك الله عزَّ وجلَّ كما في الحديث الشريف: لله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده من الضالِّ الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد.
 وقيل: " البَر.. هو الذي يحسن إلى السائلين بحسن عطائه، ويتفضَّل على العابدين بجزيل جزائه، لا يقطع الإحسان بسبب العصيان وهو الذي لا يصدر عنه القبيح، وكلُّ فعله مليح ".
 مرَّةً ثانية.. البَر هو الله عزَّ وجلَّ، أما البِر هو خير الدنيا والآخرة، لذلك من الأدعية اللطيفة: اللهمَّ اجعل نعم الآخرة متَّصلة بنعم الدنيا، فهناك حالات رائعة جداً.. كإنسان متَّعه الله بالصحَّة، ومتَّعه بالعمر المديد، ومتَّعه بالعمل الصالح، ومتَّعه باليقظة الفكريَّة، ومتَّعه بالحب فلما توفي انتقل إلى الجنَّة، هذه النعم العظيمة في الآخرة اتصلت بنعم الدنيا، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
 اسم البَر ورد في القرآن مرَّةً واحدة فجاء في سورة الطور:
﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾
﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ ﴾
 هم في الجنَّة الآن ويتحدَّثون عن ربِّهم
﴿ نَدْعُوهُ ﴾
 في الدنيا.
﴿ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾
 أي بَرٌ رحيمٌ بنا في الدنيا والآخرة.
 ورد مشتق هذا الإسم في سورة مريم، في قوله تعالى:
﴿وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (14)﴾
(سورة مريم)
 وفي السورة نفسها ورد على لسان سيدنا عيسى:
﴿وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32)﴾
(سورة مريم)
 معنى ذلك أنَّ الإنسان إذا أراد الله تأديبه في حياة أمِّه ربَّما كان بعضُّ هذا التأديب لأمِّه. لذلك ورد في الأثر القدسي أنَّه إذا ماتت الأم قال الله سبحانه وتعالى:
(( عبدي ماتت التي كنا نكرمك لأجلها، فاعمل صالحاً نكرمك لأجله.))
 أي أنَّ جزءًا من إكرام الله لك في حياة أُمِّك من أجل أُمِّك، لأنَّ الله إذا أدَّب عبده في حياة أُمِّه نصف التأديب لأمِّه.
 فأحياناً أباً يتألَّم من ابنه فيدعو عليه، فإذا استجاب الله دعاءه تألَّم ألماً أشدَّ.. فلا تتمنّ ذلك..
﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾
 أيُّها القارىء الكريم... شعور الأب حينما يكون ابنه شارداً منحرفاً، شقياً، بعيداً عن الدين شعور أسًى لا يوصف، فقد يتألَّم ألماً يوجعه ويقعده، لو أنَّ الدنيا كلَّها بيديه وانفقها من أجل أن يصلُح ابنه لفعل، فمن رزقه الله ابناً صالحاً، وطاهراً، منيباً، مصلياً، عفيفًا، سلوكه حسن هذا الأب عليه أن يُقبِّل الأرض شكراً لله عزَّ وجلَّ.
 سبحان الله فالإنسان كلَّما تذلل إلى الله ارتقى عند الله، فمنذ يومين أخ كريم له مشكلة كبيرة جداً، فلجأ إلى قيام الليل، يصلّي قيام الليل وفي السجود دعا ربَّه لحلِّ هذه المشكلة والقصَّة من أغرب القصص حُلَّت بشكلٍ هيّن ولا عنت فيه، وقد ذكر لي التفاصيل ومن غير المعقول أن تُحلُّ بهذه الطريقة، ومن شدَّة تأثُّره وبينما هو يجلس في المسجد قام وسجد لله عزَّ وجلَّ شكراً.
 فالمؤمن إذا أصابه خير، أو له مشكلة حُلَّت، له قضيَّة فُرجت، أو شبح مصيبة أزيح عنه، أو شيء ناله، وقام وصلَّى لله صلاة الشكر وسجد فهذا من مكارم الأخلاق، فقد تأثَّرت.. قام وسجد وشكر الله على حلِّ هذه المشكلة
﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾
 ورد هذا الإسم مشتقاً في آيةٍ ثالثة في سورة عبس قال الله تعالى:
﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)﴾
(سورة عبس)

 قالوا: من كان الله باراً به عصم عن المخالفات نفسه، وأدام بفنون اللطائف أُنسه ووفَّر في طريقه اجتهاده، وجعل التوفيق زاده، وجعل قصده سداده، ومنبع سلوكه إرشاده وأغناه عن أشكاله بأفضاله، وحماه عن مخالفته بيمن إقباله.
 هذا الإسم متعلِّق بالإحسان، بالحركة، فأحياناً تجد المؤمن له خصائص عقائديَّة، أو خصائص أخلاقيَّة، وكذلك خصائص سلوكيَّة، أي أنَّك حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، ماذا فعلت ؟
 أنواع البِر لا تُعدُّ ولا تُحصى، فهناك المساكين والفقراء، وهناك العناية بالأيتام والأرامل، وهناك معاونة العجزة، وأيضاً هناك الدعوة إلى الله، والأمرّ بالمعروف، وتعليم العلم وتعلُّم العلم، فأنواع البرّ لا تعد ولا تحصى، فالاسم حركي، أي أنّ هذا الإسم متعلِّق بأعمالك الصالحة، ولا تنس أن حجمك عند الله بحجم أعمالك الصالحة، وأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)﴾
(سورة الأحقاف)
والحمد لله رب العالمين

Aucun commentaire: