mercredi 23 avril 2014

العفّة



عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى

الله عليه وسلم " ومن يستعفف يُعفّه الله ومن يستغن

يُغنه الله ومــن يَتَصَبَّر يُصّبِّره الله ومـــا أعطِيَ أحد

عطاء خيراً وأوسع من الصبر" رواه البخاري


هـذا الحديث اشتمل عــلى أربع جمل جامعــة نافعة :

إحداها : قوله " ومن يستعفف يعفه الله "

والثانية : قوله " ومن يستغن يغنه الله "


وهاتان الجملتان متلازمتان ، فــــإن كمال العبـد فـي

إخلاصه لله رغبة ورهبة وتعلقاً به دون المخلوقين ،

فعلـيه أن يسعى لتحقيق هذا الكمال ويعمل كـل سبب

يوصله إلى ذلك حتى يكون عبداً لله حقاً حُرّاً من رق

المخلوقين . وذلك بـــأن يجاهد نفسـه على أمرين :

انصرافها عــن التعلق بالمخلوقين بالاستعفاف عما

في أيديهم . فـــلا يطلبـــه بمقاله ولا بلسان حاله .


ولهـــذا قال صلّى الله عليه وسلم لعمر " مـــا جاءك

من هـذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه .

ومالا فلا تتبعه نفسَك " رواه مسلم ،


فقطع الإشراف فـــي القلب والسؤال باللسان ، تعففاً

وترفعاً عـن مِنن الخلق وعـــن تعلق القلب بهـــم ،

سبب قوي لحصول العفة .


وتمام ذلك : أن يجاهـد نفسه على الأمر .


الثــاني : وهو الاستغناء بالله والثقة بكفايته ، فإنــه

من يتوكل على الله فهو حسبه .وهذا هو المقصود .

والأول وسيلة إلى هذا.


فـإن مـن استعف عما في أيدي الناس وعمـــا ينالــه

منهم : أوجب لـــه ذلك أن يقوى تعلقه بالله ورجاؤه

وطمعه في فضل الله وإحسانه ، ويحسن ظنه وثقته

بربه . والله تعالى عنـد حسن ظـن عبده بـه إن ظن

خيـراً فلـه ، وإن ظـن غيـره فله . وكــل واحد مــن

الأمريـن يمــد الآخـر فيقـويه . فكلمـــا قوي تعلقه

بالله ضعف تعلقـه بالمخلوقين وبالعكس .


ومــن دعــاء النبي صلّى الله عليه وسلم " اللهم إني

أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى " رواه مســلـم

فجمـع الخير كله في هذا الدعاء . فالهدى : هو العلم

النافع . والتقى : العمل الصالح ، وتـــرك المحرمات

كلها . هـذا صلاح الديــن . وتمام ذلك بصلاح القلب

وطمأنينته بالعفاف عـن الخلق والغنى بالله . ومن

كان غنياً بالله فهو الغني حقاً ،وإن قلت حواصله .


فليس الغنى عن كثرة العَرَض إنما الغنى غنى القلب.

وبالعفاف والغنى يتم للعبد الحياة الطيبة والنعيــم

الدنيوي والقناعة بما آتاه الله .


والثالثة قوله "ومن يتصبر يصبـــره الله " .

ثــم ذكـر في الجملة الرابعة : أن الصبر إذا أعطاه الله

العبـــد فهــو أفضل العطاء وأوسعـه وأعظمه ، إعانة

عــلى الأمــور . قـــال تعـــالـــى ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ

وَالصَّلاَةِ ) البقــرة , أي: على أموركم كلها . والصبر

كسائر الأخلاق يحتاج إلى مجاهدة للنفس وتمرينها .

فلهــذا قـال " ومن يتصبر " أي : يجاهد نفسه عـلى

الصبر " يصبره الله " ويعينه وإنمـــــا كــان الصبر

أعظــــم العطايا ، لأنـه يتعلق بجميـع أمـور العبــــد

وكمالاته وكـــل حالة مـن أحواله تحتاج إلى صبر .

فـإنـه يحتاج إلى الصبر على طاعة الله ، حتى يقوم

بهـــا ويؤديها . وإلـى صبر عــن معصية الله حتـى

يتركها لله وإلــى صبر على أقدار الله المؤلمة ، فـلا

يتسخطها . بــل إلى صبـر على نعم الله ومحبوبات

النفس ، فـــلا يدع النـفـــس تمرح وتفرح الفـــرح

المذموم، بل يشتغل بشكر الله فهو في كل أحواله

يحتاج إلى الصبر .

و الحمد لله رب العالمين

Aucun commentaire: